(( مَنْ قَالَ:" سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ "، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ )).
رواه التّرمذي، وحسّنه - واللّفظ له -، والنّسائي، إلاّ أنّه قال:
(( غُرِسَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ )).
وابن حبّان في "صحيحه"، والحاكم في موضعين بإسنادين قال في أحدهما: "على شرط مسلم"، وقال في الآخر: " على شرط البخاري ".
شرح الحديث:
فإنّ لنا في هذا الحديث وقفتين:
- الوقفة الأولى: نلحظ أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال مرّة: (( غُرِِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ ))، وفي أخرى قال: (( شَجَرَةٌ ))؛ وذلك لأنّ النّخل من الشّجر، بدليل قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24].
قال جمهور السّلف في معنى الآية: شبّه الله تعالى كلمة التّوحيد بالنّخلة.
ويؤيّد ذلك ما رواه البخاري ومسلم عنْ ابنِ عمَرَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟)) فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي، قال عبد اللهِ: وَوَقَعَ في نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟! قالَ: (( هِيَ النَّخْلَةُ )).
الوقفة الثّانية: لماذا خصّ النّخلة بالذّكر ؟
قال العلماء: ذلك لبركتها وهي في الدّنيا فكيف بنخل الجنّة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وبركة النّخلة في جميع أجزائها، مستمرّة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعا، كما قال تعالى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}، ثمّ بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتّى النّوى في علف الدّواب، واللّيف في الحبال، وغير ذلك ممّا لا يخفى " اهـ.
الحديث الخامس:
وعنْ أبِي أمَامَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( مَنْ هَالَهُ اللَّيْلُ أَنْ يُكَابِدَهُ، أَوْبَخِلَ بِالمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، أَوْجَبُنَ عَنِ العَدُوِّ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ " سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ "، فَإِنَّهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ جَبَلِ ذَهَبٍ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ عزّ وجلّ )).
[رواه الفريابي، والطّبراني-واللّفظ له-، وهو حديث غريب، ولا بأس بإسناده إن شاء الله].
الشّرح:
سبق أن رأينا هذا الحديث في فضائل الذّكر في الفضل الخامس، بلفظ (( مَنْ عَجَزَ مِنْكُمْ عَنِ اللَّيْلِ أَنْ يُكَابِدَهُ، وَبَخِلَ بِالمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، وَجَبُنَ عَنِ العَدُوِّ أَنْ يُجَاهِدَهُ فَلْيُكْثِرْ ذِكْرَ اللهِ ))، فهذا تخصيص بعد تعميم؛ لأنّ هذه الكلمات من أفضل الذّكر كما مرّ.
فهو يقوم مقام الإنفاق في سبيل الله.
لذلك لمّا قال فقراء الصّحابة: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ ؟ قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ ... )) الحديث.
وبيّنا أنّ هذا الحديث يحتمل معنى آخر، وهو أنّ من ابتُلِي بهذا التّقصير في الإنفاق، ومكابدة اللّيل، وعن الجهاد فليُكثر من ذكر الله تعالى، فإنّ الذّكر شفاء، وحياة، وقوّة، لذلك أمر الله به عند ساعة القتال.
الحديث السّادس:
وعنْ أبِي هريْرَةَ رضي الله عنه أنّ رسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ:
(( مَنْ قَالَ:" سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ )).
رواه مسلم، والتّرمذي، والنّسائي في آخر حديث يأتي إن شاء الله تعالى.
وفي رواية للنسائي:
(( مَنْ قَالَ:" سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " حَطَّ اللهُ عَنْهُ ذُنُوبَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ )).
[لم يقل في هذه في يوم ولم يقل مائة مرة وإسنادهما متصل ورواتهما ثقات].
الشّرح:
في هذا العزو أمور:
الأوّل: أنّه فات المصنّف أنّ هذا الحديث رواه البخاري كذلك.
الثّاني: أنّ اللّفظ في صحيح مسلم: (( حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ )).
الثّالث: رواية النّسائي الّتي أشار إليها إنّما هي للتّرمذي، ولم يروِها النّسائيّ لا في الصّغرى ولا في الكبرى.
والله الموفّق لا ربّ سواه.