الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فأمّا من تأخّر وتهاون في قضاء ما عليه من صيام رمضان حتّى أهلّ عليه رمضان آخر، فإنّ العلماء قد اختلفوا في ذلك على قولين اثنين:
القول الأوّل: أنّ عليه القضاء فحسب.
وهو مذهب الحسن البصريّ، وأبي حنيفة، وإبراهيم النّخعي، وداود الظّاهريّ رحمهم الله جميعا.
وتمسّكوا بظاهر قوله تبارك وتعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّّامٍ أُخَرَ}.
القول الثّاني: أنّ عليه قضاءَ ذلك اليوم مع الفدية، فلو أدركه رمضان مرّتين قبل أن يقضِي ما عليه كان عليه القضاء مع فديتين، وإن ثلاث فثلاث، وهكذا.
وهو مذهب الإمام مالك، والشّافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وغيرهم رحمهم الله.
والقول الثّاني هو الأقرب إلى الصّواب إن شاء الله؛ لدليلين اثنين:
أ) ما رواه البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ.
فقولها هذا يدلّ على أنّها تحرّجت من أن يدخُل عليها رمضان وهي لم تقضِ بعدُ صومَها.
ب) ما ثبت في سنن الدّارقطني عن مُجاهِدٍ عن أبِى هريرةَ رضي الله عنه قالَ فيمَنْ فرّطَ في قضاءِ رمضانَ حتّى أدْركَهُ رمضانُ آخَرُ ؟ قال: يَصُومُ هَذَا مَعَ النَّاسِ، وَيَصُومُ الَّذِى فَرَّطَ فِيهِ، وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
قال الدّارقطني:" إسناد صحيح موقوف ".
وروى رحمه الله أيضا عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال: مَنْ فَرَّطَ فِى صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، حَتَّى يُدْرِكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَلْيَصُمْ هَذَا الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ لْيَصُمْ مَا فَاتَهُ، وَيُطْعِمْ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
أمّا من عجز عن قضاء ما عليه لمانع صحّي حتّى أهلّ عليه رمضان، فهذا يجب عليه القضاء فحسب، دون الفِدية؛ لأنّه لم يكُن متهاونا.
والله تعالى أعلم.