نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فاعلم أنّ لأهل العلم قولين في حكم متابعة الإمام إذا ترك سنّة من السّنن.
- فمنهم من قال: تجب متابعته في ترك السّنن، عملا بعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّماَ جُعِلَ الإِماَمُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ )) [متّفق عليه].
- ومنهم من قال: لا تجب متابعته في ذلك، والأصل هو العمل بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( صَلُّوا كَماَ رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي )) [البخاري وغيره].
وأجابوا عن حديث (( إِنَّماَ جُعِلَ الإِماَمُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ؛ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ )): أنّ المقصود به هو ترك مسابقة الإمام أو التخلّف عنه في الأركان، بدليل تتمّة الحديث، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: (( فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ )).
والصّواب – والله تعالى أعلم – هو القول الثّاني، وهو: أنّ متابعة الإمام تجب بشرط عدم مخالفة السنّة.
ومرجع الخلاف بين أهل العلم هو تعارض العمومين:
- فظاهر الحديث الأوّل: ( فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ) عامّ في وجوب متابعة الإمام ولو خالف سنّة أو ترك واجبا.
- وظاهر الحديث الثاني: ( صَلُّوا كَماَ رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) أنّه عامّ في وجوب الصّلاة كما صلاّها رسول الله ولو خالف الإمام.
ويُزال هذا التّعارض بما قرّره علماء الأصول أنّه: ( إذا تعارض في الظّاهر نصّان عامّان، فإنّه ينظر أيّهما خصّ مرّة واحدة ؟ فيخصّص مرّة أخرى بالنصّ الآخر ).
فحديث: ( صَلُّوا كَماَ رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) لم يأت ما يخصّصه، فيبقى على عمومه.
أمّا الحديث الأوّل وهو: ( فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ )، فقد جاء ما يخصّصه، وهو: أنّه صلّى الله عليه وسلّم صلّى آخر حياته جالسا، والنّاس من ورائه قياما؛ تقول عائشة رضي الله عنها: ( فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي، وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَالنَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم قَاعِدٌ ).
فيكون معنى الحديث: إنّما جُعِلَ الإمام ليؤتمّ به فلا تخالفوه، إلاّ إذا لم يصلّ كما رأيتموني أصلّي فخالفوه.
والله تعالى أعلم.