هذا الحديث لفت انتباهنا إلى أن نخصّ أحيانا النّساء بالموعظة والتّذكير، مع أنّنا نعلم جيّداً أنّه ما من موضوع يخاطب به الرّجال، إلاّ ودخل النّساء فيه أيضاً، لقوله صلّى الله عليه وسلّم : (( النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ )).
لكنّ الأنفس جُبِلت على حبّ الانفراد بشيء يخصّها، وبأمرٍ يرفعها وينصّها، والقرآن يشير إلى ذلك أحيانا، فمثلاً يقول الله جلّ جلاله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35].
فآثرنا أن نقتفي اليوم أثر القرآن، وسنّة النبيّ المصطفى العدنان صلّى الله عليه وسلّم، فنلقي سلسلة من الخطب موضوعها، ومحورها:
( الغـارة على المرأة المسلمة )، فـ:
إليها حملنا القلب خفّاقا *** وكسونا كلماتنا نورا وإشراقا
فحديثنا اليوم مع القابضات على الجمر .. أولئك الفتيات الصّالحات، والنّساء القانتات ..
حديثٌ إلى اللاّء شرّفهنّ الله بطاعته، وأذاقهنّ طعم محبّته .. إلى حفيدات خديجة وسميّة .. وأخوات فاطمة وعائشة ..
حديثٌ إلى من جعلت قدوتها أمّهات المؤمنين، وغايتهنّ ربّ العالمين ..
إلى اللاّء طالما دعَتْهُنّ أنفسهنّ إلى الشّهوات، ومشاهدة المحرّمات، وسماع المعازف والأغنيات، والبقاء أمام القنوات، ومتابعة آخر الموضات، وتقليب المجلاّت .. فتركن ذلك ولم يلتقتن إليه، وهنّ يقدرن عليه.
هذه السّلسة إلى الفتيات العفيفات والنّساء المباركات.. إلى حبيبة الرّحمن الّتي كلّما كثر الفساد من حولها رفعت بصرها إلى السّماء وقالت: يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على طاعتك.
حديثنا إلى تلك الصّالحة التي أصبحت غريبة بين النّساء بسبب صلاحها وفسادهنّ ..
فسلام على الدرّة المصونة، واللّؤلؤة المكنونة ..
إن كنت أمّا، فأنت المربّية للأجيال، وأنت الصّانعة للأبطال
وإن كنت زوجة، فأنت السّكن... وأنت الفيئ والظّـلال
وإن كنت بنتا، فأنت صـرح تعلّـق عليه كـلّ الآمـال
وقد أنـزل الله فيـك قرآنا يُـتلـى إلـى يـوم المـآل
وإن كان الحديثُ يوجّه إلى المرأة مباشرة، فليعلم الرّجل أنّه مسؤول قبلها عليها، وأنّ الحساب موجّه إليه أكثر ممّا هو موجّه إليها، فالرّجل لا يسلم من هذه الغارة، وقديما قالوا:" إيّاك أعني واسمعي يا جارة ! "..
ألا ترى أخي المسلم أنّ الله تبارك وتعالى نهى كلاّ من الأبوين الكريمين آدم وحوّاء عن الأكل من الشّجرة، ثمّ عاتب آدم وحده فقال:{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طـه:115]، وقال:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]، وقال:{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طـه:117].
وقد يقول قائل: ولكن ما مناسبة ذلك ؟ أهو عـيـد الـمـرأة ؟!..
أهُو اقتقاءٌ لسبيل من لا خلاق لهم، فداسوا المرأة تحت أقدامهم، ونادوا بـ:عيـد المرأة ليحقّقوا به شيئا من أحلامهم ؟!
كلاّ.. إنّ موضوع هذه السّلسلة هو فكرة لا تزال تنضج أعواما وأعواما، فعزمنا على طرحها لأسباب كثيرة:
أوّلها: الغارة التي شُنّت على الأسرة المسلمة هذه الأعوام، وبخاصّة هذه الأيّام..
ولقد تزايد في هذا الزّمان كيدُ الأعداء، مستهدفين ديار المسلمين، يبتغون خلخلة دينهم وزعزعة إيمانهم، وتدمير أخلاقهم، و إفساد سلوكهم، ونشر الفاحشة والرّذيلة، وإخراجهم من رياض القِيم والفضيلة، لا بلّغهم الله ما يريدون.
ولقد كانوا سابقا يعجزون عن الوصول إلى أفكار الشّباب، وعقول الناشئة لبثّ ما لديهم من سموم، وعَرْضِ ما عندهم من كفر وإلحاد ومجون، أمّا الآن فقد أصبحت تحمل أفكارُهم الرّياح: إنّها رياح مهلكة، بل أعاصير مدمّرة، تقصف بالمبادئ والقيم، وتدمّر الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصّلاح من جذورها، وتجتثّ عروق الحق من أصولها.
إنّه غزو لا تشارك فيه الطّائرات ولا الدّبابات .. ولا القنابل والمدرّعات.. هذا الغزو يَستعمِل قوما من بني جِلدتنا، يتكلّمون بألسنتنا، وينتسبون إلى ملّتنا..
غزو ليس له في صفوف الأعداء خسائر تُذْكر .. فخسائره في صفوفنا نحن المسلمين .. إنّه غزو الشّهوات .. غزو الكأس والمخدّرات .. غزو المرأة الفاتنة .. والرّقصة الماجنة .. والشّذوذ والفساد .. غزو الأفلام والمسلسلات .. والأغاني والرّقصات .. وإهدار الأعمار بتضييع الأوقات.. إنّه غزو لعقيدة المسلمين.
هل تعلم ما قاله صموئيل زويمر رئيس جمعيّات "التّنصير" ؟ لقد قال في "مؤتمر القدس للمنصّرين" الذي عُقِد في القدس عام 1935 م:
" إنّكم إذا أعددتم نشئا لا يعرفُ الصِّلةَ بالله، ولا يريد أن يعرفَها أخرجتم المسلم من الإسلام، وجعلتموه لا يهتمّ بعظائمِ الأمور، ويحبُّ الراحةَ والكسلَ، ويسعى للحصولِ على الشّهواتِ بأيّ أسلوبٍ، حتّى تُصبِحَ الشّهواتُ هدفَه في الحياةِ، فهو إن تعلَّم فللحصولِ على الشهوات، وإذا جمع المالَ فللشهواتِ، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، إنه يجودُ بكلِّ شيءٍ للوصول إلى الشهواتِ ! لا نريد اليوم أن نُدخِل المسلم إلى النّصرانيّة، ولكنّنا نكتفي بإخراجه من الإسلام ..".
أيّها المنصّرون، إن مهمّتكم تتمّ على أكمل الوجوهِ !
هذا ما قاله منذ أكثر من ستّين سنة، يوم كانت أساليب الشّهوات ضئيلةً جدّا، فكيف بها اليوم ؟
السّبب الثّاني: ومن أعظم الأسلحة الفتّاكة التي يستعملها الأعداء، والّتي يبذلون قُصارى جهدهم لإخراجها من طاعة الرّحمن إلى اتّباع الشّيطان: "المرأة"..فإذا أردت هدم شيء فاهدمه من داخله، وعمود الأسرة هي المرأة..
لذلك قال قائلهم:" كأس وغانية يفعلان في أمّة محمّد ما لا يفعله الجيوش الجرّارة "..
فالأديب سخّر شعره ونثره، والكاتب أوقف قلمه، والصّحفيّ نفث سمّه .. الجميع أجلبوا بخيلهم ورَجِلِهم، ونزلوا بكلّ ثِقلهم ليصدّوا المرأة عن دينها الّذي هو عصمة أمرها.
السّبب الثّالث: هذا الكيد المبين، وهذا التّكالب العظيم لضرب الأسرة، يقابله تساهل النّاس في شأن المرأة، فقصّروا في كثير من الأمور، حتّى كبرت المرأة وهي معتادة على لبس القصير، والخروج الكثير، والاختلاط بالرّجال، وغير ذلك ممّا سنبيّنه..
السّبب الرّابع: أنّ المرأة ثغرة ينفذ منها العدوّ بسهولة، فلا بدّ من حراسة الفضيلة، ونبذ كلّ حبال الفُحش والرّذيلة ..
إذا أدركت ذلك أدركت السرّ الّذي جعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوصِي بالمرأة، وفي الوقت نفسه يُكثر من التّحذير منها..
وذلك لأنّ المرأة سيف ذو حدّين .. إن استُعمِلت في الخير نالت به أعظمَ الرُّتب، وبلغت أرقى المنازل، وإن انخلعت عن دينها، وتخلّفت عن ركب نبيّها صلّى الله عليه وسلّم، كانت شؤما على الأمّة وسببا لكلّ همّ وغُمّة.
فمن النّصوص التي تحضّ على معرفة منزلة المرأة في الإسلام:
1-أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان من آخر وصاياه النّساء:
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ )). وكان ذلك عام حجّة الوداع.
2-وكان ميزانه صلّى الله عليه وسلّم الّذي يزن به الرّجل هو عشرته لأهله، لأنّ المرأة إذا نفرت من الرّجل فلتت منه ولن يقدر على أمرها ونهيها، فقد روى أبو داود والتّرمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي )).
3-وحضّ على الاعتناء بالبنات خاصّة ورعايتهنّ:
فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلّى الله عليه وسلّم:
(( مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ )).
4-وقد شبّه الله تبارك وتعالى المرأة باللّباس: فقال تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُن} [البقرة: من الآية187]، ومن طبيعة المرء أن يحسِن اختيار لباسه، وأن يعتني به، فإنّه زينة المرء، ومصدر دفئه، وأقرب شيء إلى العبد هو لباسه.
وغير ذلك من النّصوص الّتي تدلّ على وجوب الاعتناء بتربية المرأة ، ورعايتها، والحفاظ عليها.
5-أباح الله الموت للحفاظ عليها: فقد روى التّرمذي والنّسائي عن سعيدِ بنِ زيد رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ )) فنال مرتبة الشّهادة بدفاعه عن امرأة.
وكأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلن الحرب الطّاحنة، والهيجاء السّاخنة على من مسّ كرامة المسلم في أهله، فما بال أعراض المسلمين تُباع هنا وتعرض هناك وهم صامتون ؟!
ها هي "حرب الفجّار" الّتي قامت بين قريش وهوازن، كانت بسبب أن تعَرّض شبابٌ من كِنانة لامرأة واحدة، أرادوا أن يكشفوا وجهها فنادت: يَا آلَ بَنِي عَامِر ! .. فأجابتها سيوف بني عامر ؟
هذه النصوص تدلّ على أهمّية حراسة المرأة، لأنّها هي مركز العفاف والفضيلة.
وفي الوقت نفسه، نرى كثرة الأحاديث الّتي تحذّر من المرأة خاصّة:
1-فهي مصدر أعظم فتنة: ففي صحيح مسلم عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ )).
وتأمّل كيف خصّها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالتّحذير: حيث قال: (( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ))، مع أنّ النّساء من الدّنيا، ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم خصّهنّ بالذّكر لعظم شأنهنّ.
2-أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عدّ المرأة كلّها عورة، وينبغي للإنسان أن يستر عورته، وكلّ شيء يقبل التّجديد والاستعادة إلاّ شرف المرء ورجولته.
3-أنّها أعظم وسيلة يصطاد بها الشّيطان العباد: روى التّرمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ )).
4-أنّها ناقصة عقل ودين: ففي الصّحيحين عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ:
(( يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ! تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ )) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ )).
قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ )) قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: (( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ ؟ )) قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: (( فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا )).
وهذا الخطاب موجّه إلى الكُمَّل من نساء العالم، من رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ، فكيف بغيرهنّ ؟
ومعلوم ممّن لحظ واقع المرأة اليوم أنّ المرأة سريعة الانقياد وراء عواطفها، ممّا سهّل المهمّة على أعداء هذا الدّين في استغلالها لضرب تعاليم الإسلام، وهدم صروح الإيمان. ولو وعظتها لسمعت، ولو سمعت لنسيت، لذلك:
5-وصفها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّها لا تثبت: روى الإمام أحمد عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تَسْتَقِيمُ لَكَ الْمَرْأَةُ عَلَى خَلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، إِنَّمَا هِيَ كَالضِّلَعِ، إِنْ تُقِمْهَا تَكْسِرْهَا، وَإِنْ تَتْرُكْهَا تَسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ )).
وغير ذلك من الأمور الّتي تبيّن لنا أنّ المرأة لا بدّ من الاعتناء بها، وعدم التّساهل معها.
من استحضر هذه النّصوص ولم يضرب بعضها ببعض، علم أنّ الإسلام يُكرِم المرأة إن تحرّرت من عبوديّة غير الله، ويهين المرأة إن تحرّر من العبوديّة لله، شأنها شأن كلّ مطيع وعاص: فهذه اليد ما أعظم قيمتها عند بارئها ! حتّى جعل الدّية لقطعها خمسمائة دينار ! ولكنّه سبحانه أمر بقطعها لو سرقت ربع دينار، فلمّا كانت أمينة كانت ثمينة، ولمّا خانت هانت.
الخطبة الثّانية:
فليس هناك أعظم خطرا على هذا الدّين من جهل أهله، قبل كيد أعدائه، فالله تعالى قد قال:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: من الآية120].
وإنّنا سنقف في خطبنا هذه مع أصناف من النّاس هم المحرّك لهذه الفتنة العمياء، والمحنة الهوجاء:
أوّلهم: المنفّرون. ثانيهم: المتآمرون. ثالثهم: المنهزمون.
أمّا المنفّرون: فهم قوم أتوا الأمور من غير أبوابها، ووضعوا الأشياء في غير أيدي أصحابها، وهم قوم أساءوا إلى المرأة، وابتعدوا عن تعاليم ربّهم، ممّا جعل التّهمة توجّه إلى الإسلام لا إليهم، فكم من امرأة تشكو زوجها، وأخرى تشكو أخاها، وثالثة تشكو أباها: ضربٌ وشتم، واحتقار وإهانة .. ونسُوا الآيات البيّنات والأحاديث المشرقات التي تدعو إلى حسن المعاملة، وإلى الانبساط والمجاملة، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: من الآية19].
وروى التّرمذي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ )). وسنعود إلى هؤلاء إن شاء الله.
هذا الجهل قد أدّى إلى ظهور طائفتين من النّاس، ممّا جعل واقع المرأة يضيع بين المنهزمين، والمتآمرين..
أمّا المتآمرون فهم: ذئاب البشر، الّذين لا همّ لهم إلاّ الوصول إلى استغلال المرأة لتحقيق أغراضهم، فنادوا بتحرير المرأة، وهم يريدون تعبيدها لأنفسهم، ونادوا بالتطوّر والتقدّم لِيطوّروا أعماهم وأرباحهم. فلا شكّ أنّ عالم اليوم عالم الموضات والشّهوات، ولو تستّرت المرأة لضاعت أرباحهم .. ونادوا بالاختلاط ومزاحمة رجال الأعمال وهم يريدون منها أن تحقق لهم كلّ الأمانيّ والآمال.
خدعـوها بقولهـم حسناء *** والغـواني يغرّهـن الثّـناء
نظـرة فابتسـامة فكـلام *** فسـلام، فمـوعد، فلقـاء
فاتّقوا الله في قلوب العذارى *** إنّ العذارى قلوبهـنّ هـواء
وهؤلاء سنقف معهم طويلا.
أمّا المنهزمون، فأرادوا أن يدفعوا التّهم الموجّهة إلى الإسلام، فراحوا يُبيحون للمرأة ما لا يحلّ، حتّى أوشك الدّين أن يرتحل !
وللأسف في الوقت الّذي يجب علينا أن نصدّ عدوان المعتدين، وكيد الكائدين، نسمع من هنا وهناك من يظهر على القنوات الفضائيّة يضرّ الإسلام أكثر ممّا ينفعه: ترى على وجهه مسحة انهزام، ولا ترى عليه مسحة التزام !
ماذا يريدون ؟ عصرنة الإسلام زعموا، فلماذا تطالبون الإسلام أن يتعصرن، ولا تطالبون العصر أن يُسلم ؟!
فنوصي أخيرا أختنا المسلمة بالصّبر والثّبات، فما هي إلاّ أنفاس قليلة وترحلين إلى جنّة عرضها الأرض والسّموات، واعلمي أنّ حلاوة الدّين في غربته، ولذّة الهدف في صعوبته، وتذكّري النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي ستلقينه على الحوض: (( بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء )).