* الحديث الخامس عشـر:
1200-عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بـ(الْجُحْفَةِ) )).
[رواه مسلم، وغيره].
· الشّـرح:
- قوله: ( حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ): كما سأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المضاعفة في البركة، سأل المضاعفة في حبّ المدينة، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم ترك مكّة لله تعالى وهو محبّ لها، فهو يسأله أن يُبدله حبّا أعظم من حبّه لمكّة.
- قوله: ( وَانْقُلْ حُمَّاهَا بالْجُحْفَةِ ): فقد كانت المدينة أرضَ وباء وأمراض عديدة، وحمّى شديدة.
روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْـرِئٍ مُصَبَّـحٌ فِي أَهْلِـهِ *** وَالْمَـوْتُ أَدْنَـى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِـهِ
فَقَالَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ )). ثُمَّ دعا صلّى الله عليه وسلّم بهذا الدّعاء، وقال: (( ... وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ )).
- قوله: ( بالجحفة ): قال الخطّابي وغيره:" وكان ساكنو الجحفة يهُودا في ذلك الوقت. ففيه دليل للدّعاء على الكفّار بالأمراض والأسقام والهلاك ... وهذا مذهب العلماء كافّة ".
ومن الأحاديث الّتي تكرّر معناها:
* الحديث السّادس عشـر:
1201-وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا عِنْدَ السُّقْيَا الَّتِي كَانَتْ لِسَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدَكَ وَخَلِيلَكَ دَعَاكَ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْبَرَكَةِ، وَأَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أَدْعُوكَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ تُبَارِكَ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ، مِثْلَ مَا بَارَكْتَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَاجْعَلْ مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ )).
[رواه الطّبراني في "الأوسط" بإسناد جيّد قويّ].
* الحديث السّابع عشـر:
1202-وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ الْمَدِينَةِ شِعْبٌ وَلَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا )).
[رواه مسلم في حديث] .
* الحديث الثّامن عشـر:
1203-وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ )).
[رواه البخاري ومسلم].
* الحديث التّاسع عشـر:
1204-وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَيَمَنِنَا )).
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ ! وَعِرَاقِنَا ؟ قَالَ:
(( إِنَّ بِهَا قَرْنَ الشَّيْطَانِ، وَتَهَيُّجَ الفِتَنِ، وَإِنَّ الجَفَاءَ بِالمَشْرِقِ )).
[رواه الطّبراني في "الكبير"، ورواته ثقات].
· شـرح:
هذا الحديث تضمّن الدّعاء بالبركة للمدينة النّبويّة - كما مرّ معنا -، وذلك قوله: ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا ).
ودعا بالبركة للشّام واليمن، وقد وردت أحاديث كثيرة في شأنهما، وبيان فضلهما.
ولمّا كانت العراق من كبار الأمصار، وأشهر الأقطار، سأل سائل عنها.
- قوله: ( وَعِرَاقِنَا ؟): وفي رواية البخاري:" وَفِي نَجْدِنَا ؟ "، والمقصود به العراق، لأنّ نجد كلّ شيء بحسَبه، قال الخطّابي رحمه الله:
" من كان بالمدينة كان نجُده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النّجد ما ارتفع من الأرض ".
تنبيه: مِن جَهل كثير من أهل الأهواء بلغة الشّرع ولغة العرب، أنّك تراهم حملوا الحديث ( وفي نَجْدِنَا ) على نجد المعروفة بالحجاز، وقالوا: فيه إشارة إلى الوهّابيّة ! وأنّهم مصدر الفتن !
وبغضّ النّظر عن تسميتهم بـ( الوهاّبية ) فإنّهم غفلوا أو تغافلوا عن الرّواية المفسّرة لها بالعراق، كما بيّنه الحافظ ابن حجر في " الفتح " (13/38)، حيث قال: " كلّ شيء ارتفع بالنّسبة إلى ما يليه يُسمّى المرتفع نـجـدا، والمنخفض غـورا ".
- قوله: ( إِنَّ بِها قَرْنَ الشَّيْطَانِ ): ذكر المصنّف رحمه الله معنيين لذلك، فقال:
" قيل معناه: أتباع الشّيطان وأشياعه.
وقيل: شدّته وقوّته ومحلّ ملكه وتصريفه، وقيل غير ذلك "اهـ.
ويمكن أن يقال: بما أنّ العراق جهة المشرق من حيث تطلع الشّمس، فإنّ الشّيطان يقرن رأسه بالشّمس عند طلوعها ليقع سجود عبدتها له كما هو معروف. فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يشير إلى أنّ تلك الجهة ليست كغيرها، فإنّ الشّيطان يرفع قرنه بها.
وليس المقصود أنّ أهل العراق لا خير فيهم، فإنّ فيهم كثيرا من العلماء والصّالحين من البصرة والكوفة وبغداد: كالحسن البصريّ، والنّخعي، وأبي حنيفة، والإمام أحمد، وغيرهم كثُر، وما زالت بغداد عاصمة العلوم.
ولكنّ المقصود أنّ بعض بلدان العراق في كثير من الأحيان يستحوذ عليها الشّيطان بإثارة الفتن والبلابل، وكانت أوّل الفتن وأكثرها من العراق.
* الحديث العشـرون:
1205-وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( رَأَيْتُ فِي المَنَامِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ، خَرَجَتْ حَتَّى قَامَتْ بِـ( مَهْيَعَةَ )، وَهِيَ ( الجُحْفَةُ )، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ المَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى الجُحْفَةِ )).
[رواه الطّبراني في "الأوسط"، ورواة إسناده ثقات] .
· الشّـرح:
قال المصنّف رحمه الله:" ( مهيعة ) - بفتح الميم وإسكان الهاء بعدها ياء مثنّاة تحت وعين مهملة مفتوحتين – هي: اسمٌ لقرية قديمة كانت بميقات الحجّ الشّامي على اثنين وثلاثين ميلا من مكّة، فلمّا أخرج العماليقُ بنِي عبيل إخوةَ عاد من يثرب نزلوها، فجاءهم سَيْل (الجُحَاف)- بضمّ الجيم - فجحفهم، وذهب بهم، فسمّيت حينئذ ( الجحفة )- بضمّ الجيم وإسكان الحاء المهملة -.
* الحديث الحادي والعشـرون:
1206-وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( خَيْرُ مَا رُكِبَتْ إِلَيْهِ الرَّوَاحِلُ مَسْجِدُ إِبْرَاهِيمَ عليه السّلام، وَمَسْجِدِي )).
[رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني وابن خزيمة في "صحيحه"] إلاّ أنّه قال:
(( مَسْجِدِي هَذَا وَالبَيْتُ المَعْمُورُ )).
وابن حبّان في "صحيحه" ولفظه:
(( إِنَّ خَيْرَ مَا رُكِبَتْ إِلَيْهِ الرَّوَاحِلُ مَسْجِدِي هَذَا، وَالبَيْتُ العَتِيقُ )).
* الحديث الثّاني والعشـرون:
(قال الحافظ):
1207-وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ مَا طَرِيقٍ أَنَّ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لاَ تُشَدُّ الرَّوَاحِلُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى )).
[تقدّم 14-/من حديث عائشة].
· الشّـرح:
سبق الكلام عن مسألة شدّ الرّحال إلى المساجد الثّلاثة بما فيه كفاية إن شاء الله.
- قوله في حديث جابر: ( مَسْجِدِي هَذَا، وَالبَيْتُ المَعْمُورُ ): البيت المعمور هنا هو الكعبة شرّفها الله تعالى.
أمّا البيت المعمور الّذي أقسم الله به في سورة الطّور، فهو كعبة السّماء السّابعة، ففي صحيح البخاري ومسلم وأحمد – واللّفظ له – عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ )).
وإنّما سمّي معمورا، من العمرة وهي الزّيارة، أو من العِمارة، ففي كلّ وقت وحين يطوف العباد ببيت ربّ العالمين، فذاك معمور في السّماء، وذاك معمورٌ في الأرض.
والله الموفّق.