" رووه كلّهم عن حمّاد بن زيد، عن عطاء بن السّائب، عن أبيه، عن عبد الله ".
شرح الحديث:
- قوله: ( خَصْلَتَانِ ): وفي رواية ( خلّتان )، وأصل الخصلة: القطعة من الشّيء، تقول العرب: خَصَلَه إذا قطعه، ومنه سمّي المِنجل "المِخصال"، فمن تحلّى بصفةٍ ما فقد اقتطعها من مجموع الصّفات.
وأكثر ما تطلق الخصلة على الفضائل، وقد تطلق على الرّذائل كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ ... )) الحديث رواه الشّيخان.
- قوله: ( لاَ يُحْصِيهِمَا عَبْدٌ ): معنى الإحصاء هنا هو المحافظة والمواظبة عليهما؛ كما جاء مصرّحا به في رواية أبي داود: (( لاَ يُحَافِظُ علَيهِمَا عبْدٌ مسلِمٌ إلاَّ دخَلَ الجنّةَ )).
- ( إِلاَّ دَخَلَ الجنَّة ): لكثرة ما تمحوه من الذّنوب، ويحصل بها من الثّواب، فهي من أسباب النّجاة.
- ( وهُمَا يسِيرٌ ) أي: العمل بهما يسير على من يسّره الله، وإنّما قال: ( يسيرٌ ) ولم يقل:" هما يسيران "؛ لأنّ وزن ( فعيل ) يستوي فيه المفرد والمثنّى والجمع، كما قال تعالى:{وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: من الآية4].
- ( ومَنْ يعْمَلُ بِهِمَا ) أي على وصف المداومة ( قَلِيلٌ ) أي نادر لقلّة أسباب التّوفيق، وكثرة أسباب الغفلة.
الخصلة الأولى: هي التّسبيح والتّكبير والتّحميد عشر مرّات دبر كلّ فريضة، فثلاثون في خمس صلوات بمائة وخمسين حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فهي مئة وخمسون باللّسان، وألف وخمسائة في الميزان.
الخصلة الثّانية: التّسبح ثلاثا وثلاثين، والتّحميد ثلاثا وثلاثين، والتّكبير أربعا وثلاثين عند النّوم، فتلك مائة باللّسان وألف في الميزان.
وهذا أقلّ مراتب المضاعفة،{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: من الآية261].
- ( وَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلِهِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَ مِائَةِ سَيِّئَةٍ ) في هذا الاستفهام ترغيب وإنكار:
* أمّا التّرغيب: فوجهه أنّه: كيف لا تكون هذه الأعمال من أسباب دخول الجنّة، وهي مكفّرات للسّيئات ؟! ويُستبعد أن يصل حال المسلم إلى أن يعمل ألفين وخمسمائة سيّئة في اليوم واللّيلة ! فتبقى الحسنات تملأ ميزان حسناته. وكأنّه قال: أيّكم يأتي بأكثر من هذا من السيّئات في يومه وليلته حتّى لا يصير معفوّا عنه ؟!
* وأمّا وجه الإنكار فكأنّه يقول: يا من أسرف على نفسه ! ما لك لا تأتي بهما ولا تحصيهما حتّى يُعفَى عنك !؟
وكان جواب الصّحابة أيضا فيه استبعادٌ أن يعلمَ المسلم مثلَ هذا الفضل لهذه الكلمات ثمّ لا يأتي بها ! فـ:
- ( قيل: يا رسول الله، كيف لا يحصيهما ؟ ) كيف لا يحافظ عليهما وقد علِم ثوابهما ؟
فبيّن لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الشّيطان الرّجيم يوسوِسُ للعبد في الصّلاة حتّى يغفل عن الذّكر عقبها، وينوّمه عند الاضطجاع كذلك، فقال:
- ( يَأْتِي أَحَدَكُمْ الشَّيْطَانُ ) أي ليوسوس له و يلقي في خاطره.
- ( وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ ): وذلك له حالتان:
الأولى: قبل أن يسلّم منها، وإذا كان الشّيطان قد ألهاه في صلاته وشغله عن الحضور المطلوب المؤكّد في صلاته، فكيف لا يغلبه ولا يمنعه عن الأذكار المعدودة من السّنن في حال انصرافه عن طاعته ؟
الثّانية: بعد التّسليم وهو جالس في مصلاّه؛ فإنّ العبد في صلاة ما دام في مصلاّه.
- ( فَيَقُولُ لَهُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا ): من الأشغال الدّنيوية والأحوال النّفسية، في رواية التّرمذي: (( حَتَّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلَّهُ أَلَّا يَفْعَلَ ))، أي ينصرف عن الصّلاة فلا يحصِي هذه الأذكار.
- ( وَيَأْتِيهِ عِنْدَ مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ ): في رواية التّرمذي: (( وَيَأْتِيهِ وَهُوَ فِي مَضْجَعِهِ، فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ حَتَّى يَنَامَ ))، وإذا عجز عن تنويمه ألهاه بما لا ينفع، أو بأحلام اليقظة.
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.