زَارَ رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى، وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ )).
وعند البيهقي رحمه الله عن بريدة رضي الله عنه قال:" انتهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رسم قبرٍ فجلس، وجلس النّاس حوله، فجعل يُحرّك رأسه كالمخاطِب، ثمّ بكى، فاستقبله عمر رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله ! ما يُبكِيك ؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم:
(( هَذَا قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الاِسْتِغْفَارِ لَهَا، فَأَبَى عَلَيْهَا، وَأَدْرَكَتْنِي رِقَّتُهَا فَبَكَيْتُ )).
قال بريدة:" فما رأيت ساعةً أكثرَ باكيا من تلك السّاعة "[1].
ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم يأتِي اليومَ لا ليبكِي، ولكن ليُبكي !
- هدف الغزوة ونتيجتها:
كانت هذه الغزوة أوّلَ تهديد لقريش، حيث خرج المسلمون لاعتراض عير قريش وهي متّجهة إلى بلاد الشّام، وذلك انتقاما لأموالهم الّتي سلبوها بمكّة.
وكان المستخلف على المدينة: سعدَ بنَ عبادة رضي الله عنه، وحامل لواء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حمزة بن عبد المطّلب في مائتي مقاتل.
وكان قائد قوّات العدوّ أميّة بن خلف في جيش من قريش وبني ضمرة.
ولكنّ المسلمين وجدُوا العِيرَ قد فاتتهم، فعقد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم معاهدةَ صُلح وأمانٍ مع سيّد بني ضمرة، و( ما لا يدرك كلُّه لا يُترك جلُّه ).
وكانت مدّة مكوث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خارج المدينة خمسة عشر يوما.
- وبعد ذلك، بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سريّة عليها عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب في ستّين أو ثمانين راكبا من المهاجرين، وليس معهم واحد من الأنصار.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وهي أوّل السّرايا بعد الهجرة ".
فلقي جمعا عظيما من مشركي قريش في أسفل ثنيّة "المرّة"، ولم يقع هنالك قتال، إلاّ أنّ سعد بن أبي وقّاص رمى بسهم، وكان أوّل سهمٍ رُمي في الإسلام.
روى التّرمذي عن سَعْدٍ رضي الله عنه قال:" إِنِّي أَوَّلُ رَجُلٍ مِن العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ومَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا الْحُبْلَةَ، وَهَذَا السَّمُرَ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ ! ".
[السَّمُر: شجر شائك تعلفه الإبل والغنم، و(الحُبْلة ): ثمر السّمر يشبه اللوبياء، وقيل هو ثمر العِضاه، أي: الأشواك].
- ثمّ بعث صلّى الله عليه وسلّم سريّةً أخرى عليها حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه، باتّجاه سِيف البحر - أي: ساحله - في ثلاثين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فلقي أبا جهل بن هشام بذلك السّاحل، في ثلاثمائة راكب من أهل مكّة، فلم يكن قتال، إذ حجز بينهم مجديّ بن عمرو الجُهني، وكان موادِعاً للفريقين.
2- غزوة بواط.
زمن ومكان الغزوة: وقعت في ربيع الثّاني من السّنة الثّانية، بمكان يقال له "رضوى".
هدف الغزوة: خرج المسلمون لاعتراض عير قريش وهي قادمة من الشّام. وكان حامل اللّواء يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في مائتي مقاتل.
واستخلف على المدينة سعد بن عبادة رضي الله عنه.
وكان على رأس العدوّ أميّة بن خلف في مائة مقاتل.
نتيجة الغزوة: استطاع أميّة أن يُفلت بالقافلة، فلم يكن هناك قتال. وكانت مدة مكوث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خارج المدينة سبعة أيّام، إذ لبث بها بقيّة ربيع الآخر وبعضا من جمادى الأولى.
3- غزوة العُشيرة.
زمن ومكان الغزوة: كانت في جمادى الأولى من السّنة الثّانية، والعُشيرة من بطن ( ينبع ) وهي على طريق قوافل قريش.
وقد ظنّ بعض العلماء أنّ هذه الغزوة هي أوّل غزوات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وليس كذلك كما سبق بيانه.
هدف الغزوة: هو اعتراض قوافل قريش المتّجهة إلى بلاد الشّام أيضا، فكانت استمرارا لتهديد المشركين.
واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه.
وكان حامل لواء المسلمين حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه في مائتي مقاتل.
وكان قائد العدوّ أبا سفيان بن حرب في قريش وبني مدلج، وبني ضمرة.
نتيجة الغزوة: لم يلق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم العِير، فخرجوا في طلبها حين رجعت، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، ثمّ رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا.
ثمّ عاد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة فبعث سعدا رضي الله عنه أيضا في سريّة من ثمانية رهط من المهاجرين، ولم يقع قتال.
وقد لبث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بها خمسة وعشرين يوما، أي: أقام بها جمادى الأولى، وبعضاً من جمادى الآخرة.
4- غزوة سفوان ( بدر الأولى ).
كانت في جمادى الآخرة، ببدر، فلم يمكث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاّ أيّاما قليلة بعد العُشيرة، حتّى أغار كرز بن جابر الفِهري على مراعي المدينة، فخرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في طلبه، حتّى بلغ واديا يقال له "سفوان" من ناحية بدر.
فهذه الغزوة لم تكن اعتراضا، وإنّما كانت مطاردة.
واستخلف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على المدينة زيدَ بنَ حارثة رضي الله عنه، وأعطى اللّواء عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنه في مائتي مقاتل.
فلبثوا أيّاما في سفوان، ولم يُدركوا جيش المشركين، فعادوا إلى المدينة دون قتال.
والله الموفّق.