وهو ضعيف لا يصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد ذكره أبو نعيم في " حلية الأولياء " موقوفا، ولكنّه ضعيف أيضا.
الثّاني: هناك ما تركه النّاس ظنّاً منهم أنّه ضعيف، وهو صحيح، وهو قراءة سورة العصر أحيانا.
فقد روى الطّبراني عن عبيد الله بنِ حصن قال:" كان الرّجلان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا التقَيا لم يفترِقا إلاّ على أن يقرأ أحدُهُما على الآخر سورةَ العصر إلى آخرها، ثمّ يسلّم أحدُهُما على الآخر. [صحّحه الألباني رحمه الله تعالى في "السّلسلة الصّحيحة" (6/307)].
ولكنّ قراءتَها لا تعني أنّها كفّارةٌ للمجلس، وإنّما يحمل ذلك على أنّ اجتماع الإخوة ينبغي أن يكون على التّواصي بالحقّ، وهو العلم والعمل، ثمّ التّواصي بالصّبر على هذا العلم والعمل.
الحديث الأوّل:
عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ:" سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ "، إِلَّا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ )).
[رواه أبو داود، والتّرمذي - واللّفظ له -، والنّسائي، وابن حبّان في "صحيحه"، والحاكم، وقال التّرمذي:" حديث حسن صحيح غريب "].
الشّرح:
- قوله: ( كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ ) اللَّغَط واللّغْط - كما نصّ عليه أئمّة اللّغة -: صوتٌ وضَجَّة لا يُفْهَم معناها, ومنه حديث الإسراء والمعراج في وصف الزّناة والزّواني: (( قَالَا لِي انْطَلِقْ انْطَلِقْ ! فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ )) [رواه البخاري عن سمرة رضي الله عنه].
ثمّ صار يُطلق على مجرّد الكلام الّذي لا نفعَ فيه، قال الطّيبي رحمه الله:" اللّغط: الصّوت، والمراد به الهزء من القول وما لا طائل تحته، فكأنّه مجرّد الصّوت العريّ عن المعنى "اهـ. وقديما قيل: من كثُر لغطُه كثُر غلطُه.
- قوله: ( فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ:" سُبْحَانَكَ ...) قال في " تحفة الأحوذي ": لعلّه مقتبس من قوله تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}.
و( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ): بمعنى أنزّهك، وأقدّسك عمّا يقوله ويفعله السّفهاء.
وعبارة ( وَبِحَمْدِكَ ) تحتمل معنيين:
أ) إمّا معناها: أنزّهك حامدا لك؛ لما اتّصفْت به من صفات الكمال الّتي لم يقدرها العبد حقّ قدرها.
وإنّما اقترن التّنزيه بالحمد؛ لأنّ مجرّد نفي العيب لا يقتضي المدح، بل لا بدّ من إثبات صفات الكمال.
ب) وإمّا معناها: أنزّهك كما أمرت، دون أنفِيَ عنك صفاتِك أو أؤوِّلَها، لأنّه ليس كلّ تسبيح وتنزيه محمودا، فتنزيه المؤوّلة والمعطّلة مذموم.
- ( أَشهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلاَّ أنْتَ ): فيه بيان أنّ خير ما يمحو الله به الخطايا هو توحيد الله تعالى، كما قال يونس بن متّى عليه السّلام:{لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: من الآية87].
- قوله: ( إِلاّ غُفِر لَه مَا كانَ ) أي: من اللّغط.
الحديث الثّاني:
عنْ أبي بَرْزَةَ الأسْلمِيِّ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ بِأَخَرَةٍ إذا أرَادَ أنْ يقُومَ من المَجْلِسِ:
(( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ )).
فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ ! إنّكَ لتقولُ قوْلًا ما كنتَ تقولُهُ فيمَا مَضَى ؟ فقالَ:
(( كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ )).
[رواه أبو داود].
( بأَخَرَةٍ ) - بفتح الهمزة والخاء المعجمة جميعا غير ممدود - أي: بآخر أمره.
فإذا قال قائل: وهل يقولُها من خلا مجلسُه من اللّغظ ؟ فالجواب: نعم، وساق المصنّف الحديثين الأخيرين من أجل ذلك.
- الحديث الثّالث:
وعنْ عائشةَ رضي الله عنها قالت:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ إِذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَوْ صَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ، فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ عَنِ الكَلِمَاتِ ؟ فقالَ:
(( إِنْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ كَانَ طَابِعًا عَلَيْهِنَّ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِشَرٍّ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ:" سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ )).
[رواه ابن أبي الدّنيا، والنّسائي- واللّفظ لهما -، والحاكم، والبيهقيّ].
الشّرح:
فلا يخلو المجلس من أن يكون طاعةً أو غير طاعة:
فإن كان في طاعة الله عزّ وجلّ وذكره، كان الذّكر الّذي يُقال آخر المجلس طابِعا عليهنّ: أي خاتما عليهنّ، وهو إمّا على الحقيقة، أو على التّشبيه، ومعنى ذلك: أنّ عمله محفوظ لا يضيع أبدا.
وإن كان في معصية الله أو الغفلة عنه، كان الذّكر كفّارةً للمجلس.
الحديث الرّابع:
عن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( مَنْ قَالَ:" سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، فَقَالَهَا فِي مَجْلِسِ ذِكْرٍ كَانَ كَالطَّابِعِ يُطْبَعُ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَهَا فِي مَجْلِسِ لَغْوٍ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ )).
[رواه النّسائي، والطّبراني، ورجالهما رجال الصّحيح، والحاكم، وقال: " صحيح على شرط مسلم"].