ولكن لا بدّ أيضا أن يأخذ أمورا أخرى مهمّة بعين الاعتبار، من ذلك:
1- مراعاة شعور الزّوجة:
فمن هذه الزّوجة الّتي يريد الزّواج عليها ؟
إنّها من قاسمته همومَه، وعايشته غمومَه .. إنّها من نذرت نفسها لأن تكون له خادمة، وعلى رعايته قائمة ..
إنّها الّتي إذا لبِست ثوبا أو طبخت طبخا أو زيّنت جدارا، فعلت كلّ ذلك لتدخِل السّرور على زوجها ..
إنّها خير صاحب ورفيق .. وأفضل زميل وصديق ..
فإذا كُنّا نقيم للأصحاب، والأصدقاء الأحباب، ألف حساب وحساب، فكيف بأمّ الأولاد وراعية فلذات الأكباد ؟
ومراعاة شعورها باتّباع الخطوات التّالية:
أ) كسرُ الحواجز:
فبما أنّ الموضوع حسّاس في أكثر المجتمعات، فينبغي التّمهيد له بكسر حساسيّته، وكثرة المساس تُذهب الإحساس.
وذلك بالحديث عنه على سبيل الممازحة تارة، والجدّ تارة أخرى، وأن تُجالِس غيرها من النّساء الصّالحات اللاّء عُدِّد عليهنّ. و(المصـيبـة - في نظرهنّ - إذا عمّت خفّت )، وقالت الخنساء رضي الله عنها:
( ولولا كثرة الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي )
ب) التأنّي والتريّث:
فتحدّثها عن الموضوع مدّة من الزّمن، ( ومن طلب المعالي سهر اللّيالي ).
ج) تبادل التّنازل:
فالزّوجة قبل كلّ شيء هي امرأة .. تحمل في جنباتها مجموعة من التّناقضات ..
ترى فيها نضج المرأة الصّالحة .. ونشاط وهمّة الفتاة الشّابة .. وخلال الطّفلة البريئة ..
لذلك تتقلّب بها العواطف، وتتحوّل إلى زوابع وعواصف، إلاّ من حجزها حبل الله المتين، والذّكر الحكيم.
لذلك: ينبغي للرّجل أن يتنازل هو الآخر عن بعض رغباته كما تنازلت هي عن رغبتها، في الترّبع وحدها على عرش قلب زوجها ..
ما هو هذا التّنازل ؟
عليه – لا وجوبا ولكن جبرا للخاطر – أن يجتنب الفرق الكبير بين سنّ الزّوجتين، فإنّه إذا أتى بها صغيرة في السنّ يكون قد أثخن في الجرح، وزاد من ألم القرح. (( رِفْــقًـــا بِالقَــوَارِيـــرِ )).
اللهمّ إلاّ إذا ضمّد هذا الجرح بأن تكون أرملة أو مطلّقة أو غير ذلك ممّا يهوّن الأمر قليلا على الزّوجة.
د) أن يُعلّمها مقاصد التّعدّد:
فالعلم نور وضياء، قال عزّ وجلّ:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}، فلا بدّ أن تعلم المرأة:
1- تعدّد الزّوجات أفضل من الاقتصار على واحدة لمن كان قادرا على العدل.
بدليل أنّ الله تعالى بدأ بالأمر به، فقال:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}، ثمّ قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة}.
نعم، ليس كلّ من هبّ ودبّ له أن يتزوّج بأكثر من واحدة .. هناك شروط وقيود لا بدّ من توافرها، وأهمّها العدل في العِشرة والنّفقة. لذلك لا يلج هذا الباب إلاّ ذو نفس زكية، وأخلاق مرضيّة.
2- جميع من على الأرض يقول بالتعدّد:
تعدّد النّساء أمر يباشره جميع شعوب العالم ! هذه حقيقة لا بدّ أن نصدَع بها ..
إلاّ أنّ غير المسلمين، وغير الملتزمين بشريعة ربّ العالمين، تراهم يعدّدون دون قيد أو شرط مع الصّاحبات والعشيقات، في حين أنّ الإسلام اشترط العدل والنّفقة ..
ومن العجائب أنّهم قنّنوا الزّنا والسّحاق واللّواط، ثمّ يمنعون من الزّواج بأكثر من واحدة !
كأنّي بهم ينادون: نريدها خليلة لا حليلة .. نريدها زانية لا امرأة ثانية !
وكم روّج الغربيّون والمستغربون لهذه الفكرة، فهي تخدم شهواتهم، وتنمّي نزواتهم، فما أسعد الرّجل الّذي يعاشر خليلة لا يجب عليه أن ينفق عليها شيئا، ولا أن يتحمّل مسؤوليّتها ..
وتزداد سعادته إذا رأى أنّ هذه المعاشرة المحرّمة باسم تحرير المرأة..
بل وتكمل سعادته إذا وجد من النّساء من ينادي بذلك !
{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
3- تعدّد الزّوجات بين المصالح والمفاسد:
فإذا مانعت المرأة المسلمة من التعدّد – للقادر على ذلك- فمن للعوانس !؟
إذا مانعت المرأة من التعدّد، فسيلجأ الرّجال إلى التعدّد العرفيّ الّذي لا تخفى عواقبه !
وإذا التجأ الصّالحون إلى التعدّد العرفيّ، فسيتّخذه الزّناة سبيلا لتلبية غرائزهم، وقضاء وطرهم..
سيرتفع معدّل الطّلاق.
سيرتفع معدّل العوانس .. فإنّه لا يخفَى على أحد ازدياد نسبة العوانس في العالم، وذلك لكثرة النّساء وقلّة الرّجال، وفي هذه البلدة أضحى عدد الإناث يفوق عدد الذّكور ستّ مرّات !
إذا لم تَرْضَ الزّوجة بالتعدّد، فسيبقى الزّوجان في نكد من العيش، ومظاهر من الطّيش، ويصير شعارهم: لولا الأولاد لكان الفراق والابتعاد.
الحاصل: فهذا كلّه لا بدّ أن يُعلّمَه الرّجل لامرأته، وإلاّ فتحَ على نفسه أبوابا من جحيم الدّنيا.
ونعود إلى ما يجب مراعاته:
2- مراعاة شعور أهل الزّوجة:
فالسّعيد من وفّقه الله تعالى إلى أن كانت العلاقة بينه وبين أهل زوجته على خير حال، واقفا إلى جنبهم وقفات الرّجال.
فهذا إذا أراد أن يتزوّج من امرأة ثانية استُحِبّ له أن يُفاتِح أهلَ زوجته في الموضوع، حتّى يظفر بأمرين عظيمين:
الأوّل: احترامهم: فإنّ الأصهار – وإن خالفوك – فإنّهم سيحرصون على ألاّ يخسروك .. لأنّك جعلت لهم رتبة ومكانة، وما شعروا بالذلّ والمهانة.
الثّاني: مساعدتهم وعونَهم: فيعينونك على إقناع زوجتك، ويذكّرونها كلّما غفلت، ويقوّونها كلّما ضعُفَت.
أمّا الّذي لا يبالي بكلّ ذلك، فسيصادف صِعاب المسالك.
3- مراعاة حال الزّوجة الثّانية:
فلا بدّ أن يعلم الرّجل أنّ من حقّ الزّوجة الثّانية أن يهيّئ الأجواءَ لها مع زوجته الأولى، وأولاده من الأولى.
فلا ينبغي أن يتزوّج قهرا، تحت رُكامٍ من المشكلات والمُعْضِلات، وحينها تبقى الزّوجة الثّانية تعيش عقدةً كبيرة من الشّعور بالذّنب، وأنّها لا مرحبا بها مع الرّكب ..
فليعلم أنّه إذا ساس الأمر بحكمة وأناة، وشاور العقلاء، وأخذ بنصائح الحكماء، فإنّما ذلك ليَبْنِي الحياة مع الثّانية على أساس متين.
والأمر يطول بيانه، ويستحقّ صفحات كثيرة لتوضيحه، ولكنّنا نكتفي بهذه الإشارات، وما سطّرناه من العبارات.
وفّق الله الجميع لما يحبّه ويرضاه.