ب) أنّه سبب لتكفير الذّنوب والخطايا حتّى يعود منه الحاجّ كيوم ولدته أمّه.
ج) وأنّ العمرة إلى العمرة تكفّر ما بينهما، ولكنّ الحجّ ليس له جزاء إلاّ الجنّة.
د) أنّ النبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمّاه جهادا.
هـ) أنّه من أركان الإسلام.
و) أنّه سبب لذهاب الفقر كما يُذهب الذّنوب.
ز) أنّ الحاجّ وافد على الله تعالى ومجاب الدّعوة.
ح) أنّه اشتمل على جميع العبادات العظيمة.
ط) أنّ العازم على الحجّ لو مات فهو باقٍ على حجّه.
ونأتي على شرح الحديث الأوّل وهو في " صحيح التّرغيب والتّرهيب برقم (1094):
قال رحمه الله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: (( إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ )). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: (( الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: (( حَجٌّ مَبْرُورٌ )).
[رواه البخاري ومسلم] ).
وفي هذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: قال النّووي رحمه الله:" ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان، وفي حديث أبي ذرّ لم يذكر الحجّ وذكر العتق، وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصّلاة ثم البرّ ثمّ الجهاد، قال العلماء: اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال، واحتياج المخاطبين، وذكر ما لم يعلمه السّائل والسّامعون وترك ما علموه ".
الفائدة الثّانية: في الحديث دلالة على أنّ الإيمان عمل، لذلك ترجم عليه البخاري قائلا: (بَاب مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }، وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }: عَنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ).
فهنا كذلك، لمّا قيل له: أيّ الأعمال أفضل ؟ قال: إِيمَانٌ بِاللهِ .. الحديث.
الفائدة الثّالثة: فإن قيل: لم قدّم الجهاد - وهو ليس بركن - على الحجّ وهو ركن ؟ فهناك جوابان:
أنّ نفع الحجّ قاصر غالبا على الحاجّ، ونفع الجهاد متعدّ، فقدّمه في الذّكر لذلك.
أو قال ذلك حيث كان الجهاد فرضَ عين، تحتاج إليه دولة الإسلام الفتيّة، فكان أهمّ منه فقدّم، والله أعلم.
الفائدة الرّابعة: قوله: ( حجّ مبرور ): أي مقبول، ومنه قولهم: برّ حجّك، أي: قُبِل.
وقيل: المبرور الّذي لا يخالطه إثم ولا رياء ولا سمعة، مأخوذ من البرّ أي: الطّاعة، ومنه برّ فيه يمينه أي صدق، ومنه: أبرّ الله قسمه أي: جعله صادقا.
وهذه المعاني كلّها صحيحة، لأنّ المقبول هو الّذي لا يخالطه إثم ولا رياء فيه وصدق فيه الحاجّ.
ولا يزال الحاجّ يرتقي في برّه بالطّاعات والقربات، فقد ذكر المصنّف طرفا من حديث رواه الإمام أحمد والطّبراني في " الأوسط "-واللّفظ له-، وأعاده تحت رقم (11)، وفيه:
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ )) قِيلَ: وَمَا بِرُّهُ ؟ قَالَ: (( إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الكَلاَمِ )).
وفي هذا تنبيه لطيف إلى أنّ الحجّ المبرور ليس فقط بالبُعد عن المحرّمات وفعل الواجبات، بل يكون مبرورا بالحرص على أعمال البرّ، وهو إطعام الطّعام، وطيب الكلام، وكأنّه تفسير لقوله تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة:177].
الفائدة الخامسة: قال النّوويّ رحمه الله:" من علامة القبول أن يرجع خيرا ممّا كان عليه ".
فنسأل الله التّوفيق والقبول.