هذا ما شاع لدى عامّة المسلمين قرونا طويلة، فظنّوا ولاية الله لعباده مقصُورةً على أناس بأعيانهم .. فحرمُوا أنفسهم من اليقين في الدّعاء بحجّة أنّهم ليسوا من الأولياء ! وحرموا أنفسهم من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله بحجّة أنّهم ليسوا من الأولياء! وكيف لا يظنّون ذلك، وهم لا يتدبّرون كلام الله الّذي فسّر لنا هو بنفسه معنى الوليّ فقال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}..
أي: الّذين توفّرت فيهم صفتان:
- الأولى: ( آمنوا ) أي: حقّقوا توحيده، والإيمان به، ولم يُشركوا به شيئا.
- و( كانوا يتّقون ) فما من شيء أمرهم به إلاّ فعلوه، وما من شيء نهاهم عنه إلاّ اجتنبوه. وإن زلّت بهم الأقدام وضلّت بهم الأفهام تابوا إليه واستغفروه:{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196]..
هؤلاء المذكورون في الآية:
أ) في مقدّمتهم: الأنبياء عليهم السّلام، ثمّ ورثتهم من العلماء الربّانيّين، أعلام الهدى ومصابيح الدُّجى.
قال الإمام أحمد رحمه الله: إن لم يكن أهل العلم هم أولياء الله فليس لله وليّ.
ب) ثمّ العُبّاد من كلّ أمّة: فمن فضل الله تعالى ومنّه وكرمه أنّه فتح بابا واسعا لمن قصُرت بهم الهمم في تحصيل العلم، فيكونوا من أوليائه، ذلكم الباب هو: العبادة والإكثار منها.
وقد وعدهم المولى تبارك وتعالى قائلا:{يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68].
أي: لا خوفٌ عليهم فيما هو آت، ولا حزن على ما قد مضى أو فات.
ثمّ يبشّرهم الله عزّ وجلّ ببشارة ظاهرة، بالسّعادة في الدّنيا والآخرة.
- أمّا في الحياة الدّنيا: فقد كتب الله كتابا لا تبديل فيه أنّ أولياءه هم الغالبون فقال:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)}[المائدة]..
- أمّا في ساعة توديع الحياة الدّنيا فقد كتب الله كتابا لا تبديل فيه أنّ أولياءه هم الآمنون فقال:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} [فصّلت].
- أمّا يوم القيامة فقد كتب الله كتابا لا تبديل فيه أنّ أولياءه هم الفائزون:{يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)} [الزّخرف].
ولمّا ابتعد أكثر النّاس عن صفات العلماء العاملين، والعُبّاد الصّالحين:
أضاعوا ما وعدهم الله به أن ( لا خوف عليهم )، فصاروا من أشدّ النّاس هلعا، وأكثرهم فزعا، وأشدّهم في الحياة طمعا، يُفتنون في كلّ عام مرّة أو مرّتين ثمّ لا يتوبون ولا هم يذّكرون.
وضيّعوا: ( وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )، فصار كثير منهم مثالا للحزن والشّقاء، تحت حرّ البأساء والضرّاء.
نسأل الله العفو والعافية، في الدّنيا والآخرة.