نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإنّ الأحاديث القدسيّة هي من أكثر أنواع الأحاديث الّتي دخلها الوضع، إمّا بفعل القصّاصين، أو اختلاطها بالمنقول عن بني إسرائيل.
ومن جملة هذه الأحاديث، الحديث المذكور في السّؤال؛ فهو من كلام الصّوفيّة.
وإليك أقوال أهل العلم فيه:
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وما يروونه: ( كنت كنزا لا أعرف، فأحببت أن أعرف، فخلقت خلقا فعرّفتهم بي، فبي عرفوني )، هذا ليس من كلام النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ولا أعرف له إسنادا صحيحا ولا ضعيفا ".
[" الفتاوى الكبرى " (5/88)، و" مجموع الفتاوى" (18/122].
- ونقل كلامه هذا الإمام العجلوني رحمه الله في " كشف الخفاء "(2/132)، وذكر مثل ذلك عن الزّركشيّ، والحافظ ابن حجر، والسّيوطي وغيرهم، وقال:
" وهو واقع كثيرا في كلام الصوفية، وبنوا عليه أصولا لهم ".
- وقال الشّيخ الألباني رحمه الله:" لا أصل له " [" الضّعيفة " (1/ص 166)].
- وقال الدّكتور أبو شهبة في " الإسرائيليات والموضوعات فى كتب التّفسير " (ص 15) وهو يبيّن أنواع الوضع:
" ومثال ما هو من كلام المتصوّفة ما يروى: ( كنت كنزا لا أعرف، فأحببت أن أعرف، فخلقت خلقا فعرّفتهم بي، فبي عرفوني )" اهـ
- وقال أحمد بن عبد الكريم الغزي رحمه الله في " الجدّ الحثيث في بيان ما ليس بحديث " (ص 175):
" هو مشهور عند الصّوفية، واعتمدوه وبنوا عليه أصولهم، وأنكره ابن تيمية، والزّركشي، وابن حجر، والسّيوطي، وغيرهم ".
( تنبيه ):
ممّن صرّح بأّنه لا يصحّ لفظه ملا عليّ القاري رحمه الله في " مرقاة المفاتيح "، ولكنّه صحّح معناه، وأنّه مستفادٌ من قوله تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } أي: ليعرفوني، كما فسّره ابن عبّاس رضي الله عنهما.
ولا بدّ أن يقيّد كلامه رحمه الله فيقال:
- إنّ الشّطر الثّاني من هذا الكلام صحيح، ولا يشكّ أحدٌ في أنّ معرفة الله عزّ وجلّ هي الغاية المطلوبة، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله في " الصّواعق المرسلة ":
" مفتاح دعوة الرّسل، وزبدة رسالتهم، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تُبْنَى مطالب الرّسالة كلّها من أوّلها إلى آخرها " [" الصّواعق المرسلة " (1/150-151)].
- أمّا الشّطر الأوّل منه: ( كنت كنزا لا أُعرف ) فإنّ لفظه منافٍ لتعظيم الله سبحانه وإجلاله، وما سمعنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا أحدا من أصحابه، ولا أحدا من علماء التّابعين لهم بإحسان يُطلِق مثل هذه العبارات في حقّ المولى عزّ وجلّ.
والله تعالى أعلى وأعلم، وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.