قال ابن الأثير رحمه الله في " النهاية ":" الحُلْم عبارة عمّا يراه النّائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرّؤيا على ما يراه من الخير والشّيء الحسن، وغلب الحُلم على ما يراه من الشرّ والأمر القبيح، ومنه قوله تعالى:{أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ}، ويستعمل كلّ منهما موضع الآخر، وتضمّ لام الحلم وتسكّن " .انتهى.
وقد ذكر المصنّف في هذا الباب أربعة أحاديث: حديث جابر، وأبي سعيد الخدري، وأبي قتادة، وأبي هريرة رضي الله عنهم، وتضمّنت هذه الأحاديث بمجموعها بعضَ آداب الرّؤيا.
قال النّوويّ رحمه الله: " فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات، ويعمل بها كلّها ".
فالرّؤيا ثلاثة أنواع: بشرى من الله تعالى، أو تخويف من الشّيطان، أو حديث النّفس، جاء في صحيح البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنْ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ )).
أمّا النّوع الأوّل: فبشرى من الله، ويكثر آخر الزّمان لقلّة العلم، وكثرة الفتن والشّهوات والشّبهات، فجعلها اله تعويضا عن العلماء الّذين يستضاء بقولهم، وكلّ ذلك مصداقا لقول الله تبارك وتعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة (64)}، وقد جاء في الحديث الّذي رواه الإمام أحمد والتّرمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية ؟ فَقَالَ: (( مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ مُنْذُ أُنْزِلَتْ، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ )).[1]
وحكم هذا النّوع أنّه يحمد الله عليها، ولا يقصّها إلاّ على من يظنّ علمه وشفقته، وقد أرشد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى ذلك:
ففي الصّحيحين عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلَاثًا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ )).
وفي رواية التّرمذي وأبي داود وابن ماجه وأحمد عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ، مَا لَمْ يَتَحَدَّثْ بِهَا فَإِذَا تَحَدَّثَ بِهَا سَقَطَتْ، وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا )) [الصّحيحة"119، و120].
أمّا النّوع الثّاني: وهو تحزين وتخويف من الشّيطان، ففي رواية ابن ماجه عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ )).
وأمّا النّوع الثّالث: فهو حديث النّفس، فمن حدّث نفسه وفكّر في شيء واهتمّ له ثمّ رآه في منامه فليعلم أنّه لا يُبنى عليه شيء، وربّما كان خيرا، وربّما كان شرّا، فإن كان خيرا فليحمد الله، وإن كان شرّا فهو ممّا يكرهه، وحكمه خمسة أشياء دلّت عليها أحاديث الباب: أ)- النّفث والتّفل عن اليسار. ب)-الاستعاذة. ج)-يتحوّل عن مكانه. د)-لا يذكرها لأحد. هـ)-الصّلاة.
وتفصيل ذلك نراه لاحقاً إن شاء الله تعالى.