- أوّلاً: أنّ في الجهر بالمعصية استخفافًا بمن عُصي، وهو الله عزّ وجلّ ..
فالمجاهر لم يخشَ خالقَه، ولم يعظّم المنعمَ عليه ورازقَه ! قال تعالى:{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)} [الحجّ]، وقال حكاية عن نوح عليه السلام:{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)} [نوح] قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: ما لكم لا تعظّمون الله حقّ تعظيمه.
- ثانيا: فبعد أن لم يخش خالقا، تراه لم يستحِ من مخلوق !
لم يراقب ربّ العالمين، واستخفّ بصالحي المؤمنين، وفي الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم عن أبِي مَسْعُودٍ البدريِّ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ )).
- ثالثا: أنّه بجهره بالمعصية ينشرها بين النّاس ويُذهِب هيبتها، ويقلّل في أعين النّاس خطرها، ثمّ يقلّده غيره فيها، ومع الأيّام تصير الكبيرة صغيرة، والمعصية مباحة، والمعروف منكرا، والمنكر معروفا.
لذلك حرّم الله تعالى الإخبار عن الزّنا، وجعل ذلك من إذاعة وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النّور].
فلا جرم أنّ (( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى، إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ )).. قال الإمام مالك رحمه الله: " من هذا الّذي ليس فيه شيء ؟! ليس المصرّ والمجاهر كغيره ".
فكيف بمن جهر على وسائل الإعلام في دولة المليون ونصف المليون شهيد بالإلحـــاد ..
فأنا لا يضرّني الملحِد، ولكن يضرّني إظهارُه لإلحاده.
إنّه الإلحاد في ثوبه الجديد في بلادنا ..
إنّ الإلحاد عدوّ قديم جدًّا، وكثيرٌ هم الّذين يزعمون أنّهم عالِمون بخباياه، وأنّهم سالمون من رزاياه، والحقّ أنّه اخترق حصونا حصينة، وقلاعاً متينة !
الإلحاد قبل سنوات:
- كان الإلحاد قبل سنين مرتبطا ارتباطًا تامّا وفريدًا بالشّيوعية ومبادئها وأفكارها، حتّى إنّه غلب إطلاق وصف ( الشّيوعي ) على الملحد.
- وكان أهل الإلحاد يتقنّعون بأقنعة المفكّرين، ويلبسون لباس الأدباء والمغنّين، غير قادرين على الجهر بوبائهم، ولا البوح بأدوائهم.
- لم يكُن أهل الأديان يلتفتون إلى خلاف الملحدين، بل أعلنوها صريحة أنّهم على رأس المفسدين.
- لم يزل نشاطهم محدودا، لا تسقيه إلاّ بعض الأيادي بالجامعات والمراكز العلميّة، يبغُون من وراء ذلك التّأثير على النّخبة.
- وقوف العلماء والمفكّرين الإسلاميّين بالمرصاد في وجوه أهل الإلحاد. كلّما هلك عالم خلفه علماء.
الإلحاد اليوم:
- لم يعُد الإلحاد مقترنا بالشّيوعيّة، بل أضحى مدرسة مستقلّة بذاتها.
- شيوعه تحت الخطاب اللّيبرالي العلمانيّ، فلا أعلم شيئا مثل اللّيبراليّة والعلمانيّة عبّد طريق الإلحاد، ومهّد سبيل الفساد.
- تراهم اليوم يجهرون بكفرهم وإلحادهم، ويصرّحون بذلك في بلادهم.
- أصبح الإلحاد في ثوبه الجديد منهجًا بحثيًّا، ودينًا يُدعَى إليه ! ويظهر أتباعُه في المحافل بلا وجلٍ أو خجل، ويُشارِكون في حوار الأديان، ومناظرات ونقاشات !
ففي سنة 2006 م، أقيمت ندوة حوار بين الأديان بجامعة واترلو بكندا، وفُوجِئ الكثيرون بأنّ ثمّة مقاعدَ خُصِّصت لعرض الفكر الإلحادي !
- نشاطُهم أضحى غير محدود: فلأهل الإلحاد مؤلَّفاتٌ كثيرة تخاطب كلَّ الأعمار، حتّى الأطفال وُجّهت إليهم كتبٌ سهلة عباراتُها، جذّابة طبعاتُها.
- استعمال الملحدين " فزَّاعة الإرهاب "، وأنّ الدّين والإرهاب قرينان.
- استغلالهم الإعلامَ والاتّصال:
بدءًا من الإعلام المرئيّ: كالأعمال السّينمائيّة.
والحصص الحواريّة، وخير مثال على ذلك: ظهور الملحد بوجدرة دون قناع، أمام الملايين، يجهر بإلحاده.
واعتمادهم على الشّبكة العنكبوتيّة ومواقع التّواصل.
- عقد مؤتمرات ولقاءات دورية.
- اعتصامات في السّاحات المشهورة بالمدن الكبرى.
- ظهور جمعيّات مساندة للملحدين الجدد.
- استثمار المؤلفات والبحوث العلمية لتمرير أفكار إلحادية؛ حتّى ادّعى بعضهم أنّ القوانين الفيزيائية تغني عن وجود الخالق.
وها هي قناة National Geographic in Arabic تعرض برامج نظرية دارون عن النشء والارتقاء في الخَلْق !
وغير ذلك.
نداء:
إنّ بوجدرة وهو يصرّح بإلحاده أمام الأنام، كان يعلم جيّدا أنّ حديثه سيكون حدثاً تتناقله الأقلام، وتنفخ فيه وسائل الإعلام، فهو لم يبغِ من وراء ذلك إلاّ شيئا واحدا:
أن يفتح الباب لغيره من الملحدين .. ويشيع اسم ( الإلحاد ) بين المسلمين .. فكثرة المساس تُذهِب الإحساس.
فآن الأوان لحكماء هذه البلدة وعلمائها ودعاتها أن يُشمّروا على السّاعد ليدكّوا صروح هذه الدّعوات الهدّامة، من قبل أن تستنسخ صورٌ كثيرة لبوجدرة وأمثاله.
فاللّهمّ ألهِم حكماءنا رشدهم، ووفّقهم لما فيه صلاح العباد والبلاد، آمين.