- الشّيخ محمّد حسّان: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على محمّد وعلى أصحابه أجمعين، وبعد:
فحيّاكم الله جميعا أيّها الإخوة الفضلاء، و أيّتها الأخوات الفاضلات، طبتم وطاب سعيكم وممشاكم، وتبوّأتم جميعا من الجنّة منزلا، وأسأل الله جلّ وعلا الّذي جمعنا في هذه السّاعة المباركة على شاشة " قناة الرّحمة " المباركة على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيّد الدّعاة وإمام النّبيّين في جنّته، ودار مقامه، إنّه وليّّ ذلك ومولاه.
أحبّتي في الله، كنت أقول - ولا زلت أؤكّد - أنّ أعظم خدمة نقدّمها اليوم للإسلام هي أن نشهد جميعا للإسلام شهادة عمليّة خُلقيّة على أرض الواقع، فلا نريد أن تتحوّل الأمّة كلُّها إلى دعاة على المنابر في المساجد، وإنّما نريد أن تتحوّل الأمّة كلّها إلى دعاة إلى دين الله جلّ وعلا: كلّ في موقع إنتاجه وموطن عمله وإبداعه وعطائه.
وما نجح المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في أن يُقيم للإسلام دولةً من فتات متناثر، وسْط صحراء تموج بالكفر والجهل موجاً، فإذا هو بناء شامخ لا يطاوله بناء، في مدّة لا تساوي في حساب الزّمن شيئا على الإطلاق، إلاّ يوم أن نجح - بأبِي هو وأمّي - في طبع عشرات الآلاف من النّسخ من المنهج الإسلاميّ التّربوي، لكنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يطبعها بالحبر على صفائح الأوراق في بطون الكتب والمجلّدات، وإنّما طبعها على صحائف قلوب أصحابه، بمداد جديد من التّقى والهدى والنّور.
فانطلق هذا الصّحب وهذا الجيل القرآني الفريد ليحوّلوا هذا المنهج التّربوي القرآني والنّبويّ إلى واقع عمليّ، وإلى منهج حياة، حيث دَعَوْا إلى هذا الدّين في كلّ أنحاء الأرض.
ربّما لم يَدْعُ كثير منهم بالكلمة، وإنّما بالسّلوك والأخلاق، وكنت أقول دائما لإخواننا في أوروبا وأمريكا: إنّ كثيرا من المسلمين بأخلاقهم وابتعادهم عن الدّين، وعدم صدقهم، وعدم أمانتهم، وعدم وفائهم، وعدم ترجمتهم للقرآن ترجمةً عمليّة خُلقيّة على أرض الواقع، أقول: إنّهم يشكّلون بهذا البعد حجرة عثرة في طريق انتشار الإسلام، لأنّ الغرب لن يحكم على إسلامنا من خلال هذه الحلقات، ولا من خلال الخطب الرّنّانة، ولا من خلال المواعظ المؤثّرة، بل ولا حتّى من الكتب التّي تطبع بالآلاف وبعشرات الآلاف من النّسخ، وإنّما سيحكم الغرب على إسلامنا من خلال أخلاقنا وسلوكنا وواقعنا وإبداعنا وإنتاجنا وعملنا وعطائنا.
نودّ الآن من كلّ مسلم أن يشهد شهادة سلوكيّة خُلقيّة في موقعه الّذي هو فيه لدين الله تبارك وتعالى، فالدّعوة إلى الله لا تقتصر على العلماء، ولا على الدّعاة، ولا تقتصر على الكلمة، بل لا بدّ أن ندعو إلى الله بالكلمة وبالفعل، وبالأخلاق والسّلوك، والعمل والإنتاج والعطاء، هذا ما تحتاج إليه أمّتنا الآن.
وعدتكم بمفاجأة سارّة، ففي مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي سُعِدت كثيرا بأخي الحبيب يوسف استس حفظه الله، وبلقاء أخي الحبيب والقريب محمّد صلاح، حفظه الله وأصلح الله حاله وأصلح به، وأنا حريص أن نتشرّف بحضور هذا الرّجل الخلوق الذّي جعله الله سبحانه وتعالى سببا لإسلام الشّيخ الكبير العظيم يوسف استس، الذّي جعله الله سببا في إسلام الكثيرين، وأنا أرى أنّ كلّ من يُسلم على يد الشّيخ يوسف في ميزان هذا الأخ الكريم الذّي هو مفاجأتنا السّارّة للمسلمين اليوم في كلّ مكان، لنقدّم لحضراتكم نموذجا عمليّا، لم يدْعُ الشّيخَ يوسفَ لا بآية ولا بحديث، ولا بدليل، ولا بمجمل ولا بمبيّن ولا بعامّ ولا بخاصّ ولا بناسخ ولا بمنسوخ، ولا بغيرها من أدوات العلم الشّرعي، وإنّما دعاه فقط للإسلام بأخلاقه، وأمانته وصدقه، وترجمته لهذا الدّين الذّي يحبّه ترجمة عمليّة، لا في أرض مسلمة، ولكن هناك في أرض أمريكا، فجعله الله سببا لإسلام الشّيخ يوسف الّذي جعله الله وإلى الآن سببا في إسلام الكثيرين في أوربا وأمريكا.
نقدّم لكم الأخ محمّد عبد الرّحمن، وليس المهمّ من يرفع الرّاية لكنّ المهمّ أن تُرفَع الرّاية، وأدَعُ الحوار للشّيخ محمّد صلاح، ليحاور الشّيخ يوسف ومحمّد عبد الرّحمن، وأسأل الله لهم التّوفيق والسّداد، وأن يُقِرّ أعيننا جميعا بنصرة الإسلام والمسلمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.
- الشّيخ محمّد صلاح: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتّقين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثمّ أمّا بعد:
فيقول الحقّ تبارك وتعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
أحبّتي في الله، إنّه لشرف لي مرّة أخرى أن أسعد بصحبتكم في هذه الدّقائق القادمة باستضافة ضيفين كريمين اليوم:
الضّيف الأوّل: حضراتكم تعرّفتم عليه في الأسبوع الماضي، هو أخي الحبيب: الشّيخ الدّاعية يوسف استس.
وضيفنا الحبيب الّذي طال انتظارنا له: وأنا أعتقد وأجزم أنّ إخواننا المشاهدين متطلّعون للقائك، الأخ: محمّد عبد الرّحمن ...
واليوم، مع هذه الشّخصيّة الفريدة، هي فريدة؛ لأنّ الله استعمله واستخدمه في تقديم دعوة نقيّة، كما تفضّل فضيلة الشّيخ محمّد حسّان بدون خطب، ولا إنشاء، ولا مواعظ، ولا أحاديث، إلى غير ذلك، بل بسلوكه فحسب، وحتّى لا أطيل الحديث في ذلك، دعونا نتعرّف على ضيفنا الحبيب أخونا محمّد عبد الرّحمن الذّي جعله الله سببا في هداية الشّيخ يوسف استس، الذّي كان قسّا قبل أن يسلم، ومبشّرا، ليس ذلك فحسب بل أسلم معه كلّ أفراد أسرته: والداه، وزوجته، وأبناؤه بالطّبع، علاوة على قِسٍّ كان يعيش معهم. وقد جنّدوا أنفسهم جميعا لتحويل محمّد عبد الرّحمن من الإسلام إلى النّصرانيّة ...
- الشّيخ محمّد صلاح – يخاطب محمّد عبد الرّحمن-: عرّف بنفسك، من أين أنت ؟ وأيّ دراسة وأيّ شهادة تحصّلت عليها قبل أن تسافر إلى أمريكا ؟
- محمّد عبد الرّحمن: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا اسمي محمّد عبد الرّحمن، عشت في أمريكا ابتداءً من يوليو 1990. وأنا جيولوجيّ متخرّج من جامعة القاهرة سنة 1976، عشت في أمريكا 14 سنة، و تقابلت مع الأخ يوسف سنة1991، وأنا أصلا مولود في مدينة القاهرة، والأسرة من الصّعيد من بني مزار ...
- الشّيخ محمّد صلاح: يا سيّد محمّد، أنت درست جيولوجيا، وتخرّجت من كليّة العلوم، إذاً أنت لست دارسا للعلوم الشّرعيّة بالأساس، لم تكن داعية، ولم تسافر إلى أمريكا حتّى بقصد الدّعوة، لكن بقصد العمل و التّجارة، هل هذا صحيح ؟
- محمّد عبد الرّحمن: نعم، وللدّراسة أيضا.
- الشّيخ محمّد صلاح: أنت استكملت دراستك بأمريكا، تخرّجت من جامعة ...
- محمّد عبد الرّحمن: بسان أنطونيو، تكساس.
- الشّيخ محمّد صلاح: متى التقيت بالشّيخ تقريبا ؟
- محمّد عبد الرّحمن: بعد أربعة أشهر من وصولي.
- الشّيخ محمّد صلاح: كنت حديثا في أمريكا.
- محمّد عبد الرّحمن: التقينا في دالاس، تكساس.
- الشّيخ محمّد صلاح: سبحان الله ! أنت لم تكن داعية ولم تخرج مبعوثا بالدّعوة، ولكن كلّ مسلم حامل لهمّ الدّعوة بطبعه.
نريد أن نعلّق على هذا، بعد أن أسألك سؤالا مهمّا جدّا، هل كان يدور بخلدك، أو هل علمت بما أسرّ به حبيبي الشّيخ يوسف: أنّه وأهله جميعا والقسّ الّذي كان معهم كانوا يخطّطون جميعا لتحويلك عن الإسلام إلى النّصرانيّة، هل عرفت ذلك ؟
- محمّد عبد الرّحمن: لم أعرف ذلك، ولم يكن عندي أيّ فكرة على الإطلاق أنّهم كانوا يخطّطون في تغييري عن ديني، ولكن حتّى لو علمت ما كانت لتكون مفاجأة.
- الشّيخ محمّد صلاح: ألا ترى أنّ هذا أمر عجيب، خمسة متخصّصون في اللّاهوت، وفي الدّراسات الدّينيّة، ويعدّون العُدّة، وكما قال الشّيخ يوسف بالنصّ: لم يكن لنا هدفٌ سوى تحويلِ محمّد عبد الرّحمن عن الإسلام، وأنت لا تدري بذلك، وفي نهاية المطاف هم الذين تحوّلوا للإسلام، أليس هذا شيئا عجيبا ؟
- محمّد عبد الرّحمن: هذا الّذي يبدو في الظّاهر، ولكن ما لم يقُلْه الشّيخ يوسف أنّه بداخلي كان لديّ إحساس أنّ الجماعة - وهذا من خلال نظري ومتابعتي لهم - أنّهم كانوا مستغربين: لماذا أقوم للصّلاة عدّة مرّات سواء في البيت أو في العمل ؟ وكانوا يسألونني أسئلة كثيرة: لمِ لا تصلّي مرّة واحدة في اليوم فقط ؟ لماذا تتّجه دائما في الصّلاة إلى نفس الجهةَ ؟ أسئلة بديهيّة جدا بالنّسبة للمسلم، لكن بالنّسبة لهم شعرت أنّه الفطرة، وكانت لهم أخلاق عالية.
- الشّيخ محمّد صلاح: هل تريد أن تُوصِل لنا رسالة أنّ حقيقة انبِهارِهم بك لم يكن في لباقتك في الكلام، ولا في المظهر ولا في الدّعوة، ولكن بسلوكك الّذي كان في حرصك على أدائك للصّلاة في وقتها ؟
- محمّد عبد الرّحمن: كانت لنا تجارة معا، وكنّا نقضي طوال اليوم معا، وكانوا يتعجّبون لكثرة صلاتي ...
- الشّيخ محمّد صلاح: ما هو الموضوع الّذي كان حجر الزّاوية، الذّي ما إن فتح هذا الموضوع حتّى أُعجب الشّيخ به وبدأ الحديث بعمق عن الإسلام ؟
محمّد عبد الرّحمن: الحوار كلّه كان حول قبّعة الشّيخ وصليب معلّق في سرواله، وآلة صغيرة كان يلعب بها، و هذه كانت أوّل بداية الحوار.
و ثانيا: الطّريقة الموضوعيّة المتحضّرة التّي اتّفقنا عليها، لا أحد يغضب من الآخر، لأنّ الحوارات الدّينيّة فيها حساسيّة، وأن يكون النّقاش في هدوء، وبكلّ احترام وإنصات وبدون مقاطعة، وبهذا نجحنا نحن الإثنين في تحقيقه، مع حفظ الاحترام الواجب للمقدّسات، سواء من جهتي أو من جهته.
ثمّ جاء الحديث عن التّبنّي، فالشّيخ يوسف ووالده دهشا لأنّ الإسلام يحرّم التبنّي، وذُهِلا لذلك، وقالا: إنّ الدّين الإسلامي يبدو عقلانيّا وقراراته صحيحة.
- الشّيخ محمّد صلاح: أنت تشير إلى التبنّي بالمعنى الخاطئ المحرّم ...[هنا شرع محمّد صلاح يبيّن الفرق بين التبنّي وكفالة اليتيم].
- محمّد عبد الرّحمن: وكان هذا بداية النّقاش، ونقطة التّحوّل.
- الشّيخ يوسف إستس: هناك سببٌ خفيّ كان هو سبب اهتمامنا بمسألة التّبنّي، لأنّ أبي كان متبنَّى، وكان يحمل اسْمَه الأخير اسم الشّخص الذّي تبنّاه، فما إن سمعنا بهذا الأمر حتّى فرحنا وأخذنا نبحث عن اسم الأب الحقيقيّ، الّذي هو " إستس "، فوجدنا أنّ معناها في إسبانيا " أستاذ "، واكتشفنا أنّ لنا جذورا مسلمة منذ ما يقرب 500 سنة.
- الشّيخ محمّد صلاح: الأخ محمّد عبد الرّحمن، أنت ذكرت أنّ أعظم سببٍ لفت انتباههم إلى عظمة هذا الدّين، ورقّق قلوبهم إلى جهة الإسلام كان: هو حرصك على الصّلاة ...
- محمّد عبد الرّحمن: نعم، الحمد لله.
- الشّيخ محمّد صلاح: كيف كان لقاؤكم ؟
- محمّد عبد الرّحمن: كنت أبحث عن محلّ للكراء لأضع فيه مبيعاتي، ولم أجد أيّ محلّ، ثمّ التقيت بالسّيّد " استس" رحمه الله، وكان ذا لحية طويلة، وقال لي: تعال، قلت: من ؟ أنا ؟ قال: نعم، تعال، عمّ تبحث ؟ قلت: عن محلّ للكراء أضع فيه المبيعات، قال: تعال غدا وأَحْضِر المبيعات.
- الشّيخ محمّد صلاح: يعني اللّقاء أساسا كان بسبب التّجارة ...{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
كنت أريد أن أشير إلى أمر مهمّ جدّا، وأنت تتحدّث عن والده، قلت: رحمه الله وعيناك تكاد تفيض بالدّمع، تذكّرتُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم و هو يزور الغلامَ اليهوديّ الّذي كان يخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: (( أَسْلِمْ )) فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَقُولُ: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّار )). فأنت سعيد أنّ هذا الرّجل أنقذه الله بك من النّار.
أخي محمّد، أنا غبطك بشدّة، كما أنّي متأكّد أنّ كلّ واحد من السّادة المشاهدين والمشاهدات يغبطون هذا الرّجّا، الّذي استعمله الله عزّ وجلّ في أعظم عمل: أن يكون رسولَ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم.
فأنت تعلم قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَأَنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلاً واحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا )) و(( مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )).
- أحد المتّصلين من الأردن يعمل مع النّصارى، فيسأل عن الطّريقة والكلمات المؤثّرة في الآخرين لدعوتهم ؟
- جواب الشّيخ إستس حفظه المولى عزّ وجلّ: ليس الكلمات المؤثّرة هي كلماتي أو كلماتك، ولكنّها كلمات الله وكلمات رسوله صلّى الله عليه وسلّم ...
وأنصح بالبعد عن المناظرة القائمة على مجرّد التّخطئة ولكن لا بدّ من الحكمة والموعظة الحسنة كما جاء في القرآن الكريم.
من السّهل على كلّ إنسان أن يتكلّم ويخطّئ الآخر، ويريد أن يجذب الآخر إلى مربّعه، ولكن من المهمّ جدّا أن ينظر الدّاعي المسلم خاصّة إلى أحوال المدعوّ، فقد تلمّ بالمدعوّ صعاب من فقر وأمراض إلى غير ذلك، فأنسب طريق للدّعوة أن تُظهِر من القلب استعدادك لمساعدة المحتاج، بغضّ النّظر هل هو مسلم أو لا ؟ كما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يهبّ دائما لمساعدة المحتاجين.
وهؤلاء النّاس في سجن كبير حتّى وإن كانوا يعيشون في ترف، بسبب بعدهم عن الله عزّ وجلّ، فالمطلوب من المسلم أن يحرص على إخراجهم من هذا السّجن ويدعوهم إلى جنّة الدّنيا وجنّة الآخرة.
- الشّيخ محمّد صلاح: ... وددنا أن نصبح محمّد عبد الرّحمن، هذا الرّجل – يشير إلى الشّيخ يوسف- أنا أعرف أنّه أسلم على يديه الآلاف، والحمد لله لا يزال يُسلِم على يديه الآلاف، وكلّما طلبت منه أن يستريح يقول: أستريح في الآخرة، فهو يحبّ أن يموت ويلفظ آخر أنفاسه، وهو يدعو إلى الله عزّ وجلّ.
هذه كلمات رجل كان يوما من الأيّام قِسّا، هو وأسرته خطّطوا لتحويل هذا الرّجل من الإسلام إلى النّصرانيّة، هذا الرّجل هو الذّي يدعو إلى الإسلام اليوم وأسلم على يديه الكثير.
ما هو شعورك [الكلام موجّه إلى محمّد عبد الرّحمن] بهذا العمل العظيم، هل هناك نجاح مادّي أو معنوي في حياة المرء يعادل هذا النّجاح؟
- محمّد عبد الرّحمن: أنا أعتبر نفسي من النّاس الذين فُتِح عليهم كنزٌ لم يكونوا يبحثون عنه ... لأنّ اعتناق النّاس للإسلام أمر يحدث يوميّا، لكن إسلام أمثال الشّيخ يوسف وعائلته هو الغريب الّذي يحصل نادرا: أن يغيّر التّيّار، ويسلم على يديه الآلاف، ليس فقط في أمريكا بل في كلّ العالم، وكلّما ألتقي بشخصيّة عربيّة أو أجنبيّة أجدها تعرف الشّيخ يوسف.
- الشّيخ محمّد صلاح: ولك من كلّه نصيب ... لديّ تعليق:
نحن كثيرا ما يأتينا سائحون وسائحات، وكثيرا منّا من هو سائق أجرة، أو يعمل في محلّ، أو مرشد سياحيّ، إلى غير ذلك، فكلّ واحد منهم لديه فرصةٌ سانحةٌ لأن يدعُوَ إلى الله عزّ وجل، وأن ينقذ الله عزّ وجلّ به واحدا من النّار: أن يخبره وهو في رحلته السّياحيّة عن الوحدانيّة، عن الله عزّ وجلّ، أن يفتح معه موضوعا في الدّين.
عجبت أنّ كلّ واحد يحرص على التّحدّث في شتّى المواضيع، إلاّ موضوعا واحدا، وهو مسألة الدّين، ومسألة الوحدانيّة، والإسلام.
أنا متأكّد أنّ كلّ واحد منّا يتمنّى أن يكون محمّد عبد الرّحمن، ومحمّد يقول: أنا ما تخيّلت وما كنت أحلم في يوم من الأيّام أنّي سأكون سببا في هداية هذا الرّجل، الّذي يهدي الله به الآلاف.
فكلّ واحدا منّا يمكن أن يكون داعية بسلوكه، ويمكن أن يكون داعية بأخلاقه وبالتزامه ومعاملاته، فـ( الدِّين المُعَامَلَة )، والنّبي صلّى الله عليه وسلّم لم يستثن أحدا من التّبليغ يقول: (( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً )).
نحن نودّ أن يدخل في كلّ ساعة شخص جديد إلى الإسلام، وأريد أن أبشّركم: لا يخلو يوم من الأيّام من العشرات بل من المئات الّذين يدخلون الإسلام رغبة وحبّا فيه، إمّا عن طريق شخص دعاهم إلى الإسلام، وإمّا عن طريق الله الّذي يلقي الهداية في قلوبهم خلال رؤية كتاب غلافه برّاق فيأخذه فيجده قرآنا، أو شرح معاني القرآن.
نعرف امرأةً دكتورة أرادت أن تأخذ كتابا مكتوبا فيه بالعربيّة والانجليزية، فأعطوها القرآن خطأً، فعكفت على قراءته ! وبعدما انتهت منه سألت: أين أجد أقرب مركز يَعبد فيه أصحاب هذا الكتاب ؟ وذهبت إلى الإمام هناك لتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله.
إنّ هذا الدّين العظيم الّذي وعد الله عزّ وجل بنشره، كلّ المطلوب منّا اتّجاهه أن نتشرّف بالانتساب إليه، وأن نتشرّف بالدّعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.
- الشّيخ محمّد صلاح [يسأل الشّيخ إستس]: ما هو انطباعك عند زيارتك لمصر؟ ما الّذي أحببته ؟ وما الذي تريد أن تراه يتغيّر ؟
- الشّيخ يوسف إستس: أنا أحبّ كلّ شيء في مصر، خاصّة وأنّ منها جاء الرّجل الذّي كان سببا في دخولي للإسلام، وهداني الله على يديه.
و أكثر شيء أعجبني في الشّعب المصري تبسّمه، ما إن يلقاك أحد منهم إلاّ وتبسّم في وجهك.
- الشّيخ محمّد صلاح: يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِكَ أَخِيكَ صَدَقَةٌ )).
- الشّيخ يوسف إستس: وأكثر ما أعجبني أيضا: هو كرم النّاس، خاصّة في الصّعيد، عندما كنت أزور الأخ محمّدا وأسرته، النّاس بسطاء وفقراء، ومع هذا لا يمنعهم فقرُهم أن يكونوا كرماء، فترى الواحد منهم لا يعرفك، ولكن يصرّ على دعوتك بإلحاح، وقد يكون ليس لديه إلاّ حبّة خيار واحدة، أو حبّة فاكهة واحدة يقسمها معك.
أمّا ما أحبّ أن أراه يتغيّر سريعا: فقبل زيارتي الأخيرة لمصر كانت هناك نساء محجّبات وغير محجّبات، وكان هناك فرق واضح جدّا بين الحجاب والسّفور، أمّا في هذه الزّيارة فقد لاحظت أمرا واتّصلت بزوجتي لأخبرها بذلك، رأيت فتياتٍ كثيرا يرتدين ما يسمّونه حجابا وهو بالطّبع ليس حجابا، و يلبسن مايشبه لباس النّوم وغيره ! ويخرجن بها إلى الشّارع، ويظنُنّ أنّهن مرتديات للحجاب، و هذا ليس بحجاب.
قد يقول البعض: ( هذا أفضل من لا شيء ) لا، هذا لا يمكن؛ لأنّه لا يُعقل أن تصلّي ركعة واحدة وتقول: صلّيت ! أو أن تصوم نصف يوم وتقول: صمت ! إمّا أن تقوم بالعمل على الوجه الأكمل، وإمّا لا.
وأنا آمل أن أرى بنات المسلمين في كلّ مكان على وجه الأرض يرتدين الحجاب كما أمر الله عزّ وجلّ يسترن أبدانهنّ، وأظنّ أنّ حديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا ))، وذكر: (( نِسَاء كاسِيَات عَارِيَات، مَائِلاَت مُمِيلاَت، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ ))، فلباسهنّ إمّا أنّه ضيّق جدّا، أو شفّاف، أو يكشف أكثر ممّا يستر، وأحبّ أن أرى كلّ هذا يتغيّر.
- الشّيخ محمّد صلاح: هذا الكلام يصدر من رجل كان في يوم من الأيّام قسّا، وهو يحبّ أن يرى المسلمين الّذين وُلدوا في الإسلام يقتفون أثر النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أعظم دلالات حبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولدين الله عزّ وجلّ.
[ثمّ شرع الشّيخ إستس يقصّ بعض الحوادث الّتي حدثت مع الأخ محمّد عبد الرّحمن ...].
- الشّيخ محمّد صلاح: ما نصيحتك للمسلمين الجدد سواء في أمريكا وأوربا أو غيرها ؟ وما هي نصيحتك للمسلمين الّذين وُلدوا في الإسلام ؟ والثّالثة: نصيحتك لغير المسلمين ؟
- الشّيخ يوسف إستس: نصيحتي للمسلمين الجدد: الوسطيّة، وأن يتوغّلوا في الدّين برفق، أنا أوّلَ ما أسلمت أخذت على نفسي الإسلام بشدّة، والحمد لله أنّ الله عزّ وجلّ آزرني وأيّدني بالأخ محمّد عبد الرّحمن وبالشّيخ جمّال بدوي.
- الشّيخ محمّد صلاح: جمّال بدوي: دكتور مصري بإحدى جامعات كندا، وهو من أعظم الدّعاة إلى الله عزّ وجلّ باللّغة الانكليزيّة في العصر الحديث، وقد أسلم على يديه الكثير ...
- الشّيخ يوسف إستس: ثانيا: نصيحتي للّذين ولدوا في الإسلام هي: ليس معنى أنّك ولدت اسمك محمّد، أو اسمكِ سارة، أو جدّك شيخ كبير، أو عالم أو مُفْتٍ أو غيره أنّك ضمنت النّجاة، لابدّ لكلّ إنسان أن يختار، وأن يختار على اقتناع وعن عقيدة، لا بدّ أن تسأل أسئلة، لا بدّ أن تجد إجابات مقنعة، وأحمد الله أنّ الله أوكل لي من البداية من يعلّمني العلم الصّحيح، ويجيبني على كلّ أسئلتي، خاصّة فيما يتعلّق بأسئلة العقيدة.
و منه قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))، (( يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ))، فلا بدّ من الاجتهاد والعمل، والعلمُ لا يمكن أن يستفاد منه إلاّ إذا طُبِّق.
كما أنصحكم بالصّلاة، الصّلاة، لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟)) قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: (( فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا )).
- الشّيخ محمّد صلاح: أحد المتّصلين يسأل: هل كلّ من يسلم في أمريكا أو في الغرب يتحوّل إلى داعية مثل الشّيخ يوسف ؟
وأريد أن أنوّه إلى مسألة مهمّة جدّا، هو أنّ احتفاءَنا واستقبالنا للشّيخ يوسف ليس لأنّه أوّل ولا آخر قِسّ يسلم، وليس لأنّه أوّل ولا آخر داعية، ولكنّه واحد في طابور طويل من الدّعاة الّذين تحوّلوا من ديانات شتّى إلى الإسلام، وكانوا دعاةً في دياناتهم قبل الإسلام، وهذا كتيّب اسمه " Priests embracing Islam " أي:" قساوسة يعتنقون الإسلام "، فيه ذكر عدد لا بأس به من أسماء القساوسة المبشّرين الغربيّين من أمريكا ومن أوروبا بل ومن روسيا أيضا الّذين دخلوا الإسلام، وتركوا بصمة واضحة في الدّعوة إلى دين الله عزّ وجلّ، وكانوا خيرا من آلاف منّا ممّن ولدوا في الإسلام وماتوا ولا يعرفون شيئا عن دينهم.
هذا الكتاب فيه على الأقلّ 12 اسما لقسّ، كانوا عظماء في ديانتهم، وكانوا دعاة، وكان النّاس يلتفّون حولهم بالملايين، تركوا هذا كلّه و اتّجهوا إلى الله، واختاروا طريق النّجاة. فالفارق الحقيقيّ أنّ هؤلاء النّاس لمّا أسلموا أسلَموا عن اقتناع وعن عقيدة، وَجَدوا ضالّتهم المنشودة، فيدفعهم الحماس إلى الدّعوة إلى دين الله عزّ وجلّ، ويبدؤون بأهليهم وأسرهم، بل منهم من يترك بلده ويأتي هنا لطلب العلم.
لدينا من النّساء أيضا كثيرات ممّن أسلمن وتركن بصمة رائعة واضحة جليّة في الدّعوة، أذكر على سبيل المثال لا الحصر الدّكتورة "كريمة سرببنسكي" هذه المرأة الأمريكيّة التّي هاجرت في سبيل الله بعد أن أسلمت، حفظت القرآن الكريم كلّه وأخذت فيه إجازات، ليس ذلك فحسب، بل لها ثلاثة مراجع من أروع ما يمكن في علم التّجويد، امرأة أمريكيّة تعلّمنا التّجويد.
و الدّكتور " بلال فيلبس " و غيرهم... والأزهر اليوم ممتلئ بكثير من هؤلاء ممّن تركوا أمريكا.
أنا أذكر أنّ أحد الإخوة قال لي في أمريكا: إنّ أمريكا جنّة الدّنيا على الأرض، فيها كلّ ما تريد من متاع الدّنيا. هؤلاء النّاس يتركون جنّة الدّنيا ويهربون منها إلى جنّة الرّضوان.
- الشّيخ محمّد صلاح: بقيت الإجابة عن السّؤال الثّالث: ما هي نصيحتك لغير المسلمين ؟
- الشّيخ يوسف إستس: أنا أدعو غير المسلمين إلى التّأمّل والتّفكّر، ثمّ مناجاة الخالق، إذا كنت تؤمن حقيقة أنّ هناك إله - بغضّ النّظر عمّا يجول بخاطرك وما يرسخ في قلبك وعقيدتك عن حقيقة هذا الإله – إذا كنت تؤمن بوجود الإله فتوجّه إلى هذا الإله واسأله:
يا ربّ، أنت تعلم ما يجول بخاطري، أنت تعلم ما أفكّر فيه، أنت تعلم مدى حيرتي، اهدني .. اهدني .. اهدني.
ولا يكفي أن تقرأ خبرا أو أن تطّلع على صفحة على الإنترنت حتّى تُشهِر إسلامَك، ولكن لا بدّ أن تتعلّم وتعرف الكثير والكثير عن الإسلام. وأنا أدعو جميع غير المسلمين إلى نبذ كلّ ما يسمعونه من أكاذيب وأباطيل عن الإسلام والمسلمين، ويتعاملوا مع الإسلام ومع عقيدة التّوحيد بذهن صافٍ خالٍ: حكّم عقلك، فكّر، استخدم ما منحك الله من وسائل ومن أدوات حسّ، وسوف تهتدي .. سوف تهتدي إن شاء الله.
- الشّيخ محمّد صلاح [على لسان أحد المتّصلين]: ما أكثر شيء يجذب غير المسلمين إلى الإسلام ؟
- الشّيخ يوسف إستس: قد يَعجب البعض، أنا دُعِيت مرّة إلى تكساس لإلقاء محاضرة، وسُئلت هذا السّؤال، فقلت: قبل أن أعرف الإسلام، وقبل أن أتعرّف إلى أيّ شخصيّة مسلمة لم يكن يعجبني في الإسلام ولا يجذبني إليه أيّ شيء على الإطلاق ! ببساطة لأنّي ما عرفت عن الإسلام شيئا ! وببساطة لأنّي لم ألتق بمسلم من قبل، كلّ ما كان يدور بخلدي عن الإسلام والمسلمين: إرهاب، خطف، قتل، عنف، يعبدون صندوقا أسود في الصّحراء، وغيرها من الإشاعات المغرضة والأكاذيب الباطلة.
فلم يجذبني شيء إلى الإسلام، إلى أن التقيت بهذا الشّخص، فأكثر ما جذبني هو شخصيّة الشّخص المسلم وسلوكه، فإذا كان شخص بهذا السّلوك وبهذه الأخلاق وبهذه الآداب، فإذاً الدّين الذي وراءه والعقيدة التّي يعتقدها هو المصنع الّذي أنتج لنا هذا، ولا بدّ أن يكون هذا المصنع هو أَوْلى الأديان بأن يكون الدّين رقم واحد:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ}.
إنّ أكثر ما يمكن أن يغري أيّ مخلوق من غير المسلمين باتّباع الإسلام والدّخول فيه هو سلوك المسلمين. أنا أتمنّى أن يتوقّف كثير من الدّعاة عن قولهم لغير المسلمين: إنسَ سلوك المسلمين وإنسَ ما تراه من المسلمين وركّز في القرآن، وركّز في السّنّة ! لأنّ النّاس يريدون أن يروا سلوكا، يريدون أن يروا أمثلة حيّة، كما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم قرآنا يمشي على الأرض، وكان خُلُقُه القرآن.
أسلمت أمم بالكامل عن بَكرة أبيها كالهند، وباكستان، وبنغلادش، وغيرها دون أن تكون هناك قطرة دم سُفكت، ولكن أسلموا بدعوة المسلمين الّذين خرجوا للتّجارة أساسا، وكانت الدّعوة هدفا لهم أيضا.
سلوك المسلمين من أمانة، وصدق، وأداء ما افترض الله عليهم في أوقاته هو أفضل شيء يمكن أن يلفت و يجذب انتباه أيّ غير مسلم إلى الإسلام.
- الشّيخ محمّد صلاح: أريد أن أنوّه إلى أمر هامّ: ليس من الضّروري أن تذهب إلى أمريكا حتّى تكون داعية، أو أن تتعلّم لغة أجنبيّة حتّى تكون داعية، فالله ييسّر لكلّ إنسان ما خلق له، يمكن أن تكون داعية في الشّارع، أو في حارتك التّي تسكن فيها، بل حتّى في بيتك و مع أسرتك، والنّبي صلّى الله عليه وسلّم لمّا أُمر بالدّعوة أُمر أن يدعُوَ أهله أوّلا:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، وأمر الله المؤمنين بقوله:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.
فالإنسان لو قام بدعوة نفسه أوّلا، ثمّ أهله ثانيا، ولجيرانه، وزملائه لكان كلّ هذا من صنوف الدّعوة، المهمّ أن نعلم أنّنا سنؤجر بالنّية والعمل، سواء اهتدى الّذي دعوته أم لا، ومن الخطأ أن ننسب الهداية إلى شخص، سواء كان هذا الشّخص محمّد عبد الرّحمن أو غيره، لأنّ الله تعالى خاطب نبيّه قال:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} فنحن كلّنا أسباب وأدوات، نسأل الله تعالى أن يستعملنا في ما يحبّه ويرضاه.
- الشّيخ محمّد صلاح: هل ازداد حبّك لوالدك أو نقص بعد الإسلام ؟
- الشّيخ يوسف إستس: أريد أن أنوّه إلى أنّ من أهمّ الأسباب التّي جعلتني أفكّر في هذا الدّين، أنّ هذا الرّجل محمّد عبد الرّحمن كان يعامل والدي أفضل ممّا كنت أعامله أنا، فمثلا إذا كنّا نجلس على مائدة الطّعام، إذا ما نزل أبي يقوم محمّد عبد الرحمن ويبادر إلى إخراج الكرسيّ وإعداده له، ويأتي بوسادة ويضعها تحته، ويقول: اجلس هنا، استرح، إلى غير ذلك. وكان يعامله أفضل منّي أو من أيّ فرد آخر من أفراد العائلة.
وكانت هذه النّقطة ناصعة البياض، أعجبتني - ليس أنا فحسب - بل كلّ العائلة. وبإسلامي ازداد حبّي لوالدي.
- الشّيخ محمّد صلاح: شيخ يوسف، كيف ترى الكافر قبل وبعد إسلامه ؟
- الشّيخ يوسف إستس: الفرق بين الكافر قبل وبعد إسلامه، كمثل شخص على عينيه عِصابة لا يسمع ولا يرى، في قارب فقد التّحكّم فيه، والقارب يأخذه حيث يريد، وليس له أدنى تحكّم في القارب، والدّفّة تتحرّك وهو لا يدري إن كان يتحرّك أو لا ؟ هل يتحرّك يمنة أو يسرة ؟ هل يتحرّك إلى الأمام أو إلى الخلف ؟ ليس مدركا لما يجري من حوله ولا يدري ما يفعل في هذه الدّنيا ؟ ولا يدري السّبب الّذي خلق لأجله، وما الّذي سيحصل له بعد الممات ؟ ولهذا فهو لا يعمل من أجله.
ثمّ بعد أن أسلم ذلك الكافر، يكون مثلَ ذلك الرّجل الرّاكب في القارب، وقد خُلِعت عن عينيه العصابة، وصار يسمع و يرى، وأُعْطِي القدرة على التّحكّم في الدّفّة، فهو الآن يستطيع التّحكّم في القارب في الجهة الّتي يريد أن يتحكّم فيها، ومع هذا فهو لا يضمن النّجاة، ويبقى على الإنسان كي يحرّك الدّفّة في الاتّجاه الصّحيح لا بدّ أن يكون له علم من مصدر موثوق به، ويستطيع أن يحرّك بهذا العلم الدّفّة في الاتّجاه الصّحيح، أو لنسمّيه اتّخاذ القرار الصّائب.
فالذي يُسلم رُدّ عليه بصره وسمعه، وهو الآن يتحكّم في حياته، ويعرف ماذا يصنع ؟ ولماذا يصنع ذلك ؟
- الشّيخ محمّد صلاح: نحن الدّعاة، وخاصّة الّذين سافروا إلى الغرب، على دراية تامّة أنّ المنظّمات التبشيريّة والتّنصيريّة لها ميزانيّات تبلغ المليارات، لهم طائرات خاصّة، إسعافات طائرة، إلى غير ذلك من إمكانيّات، دولٌ مخصّصة لعمليّات التّبشير، وتحويل المسلمين عن دينهم خاصّة في إفريقيا.
ألا ترى أنّ الأمر فيه غرابة وفيه عجب ؟ مع كلّ هذه الإمكانيّات، ومع أنّ الدّعاة المسلمين دعاة أشخاص وليست مؤسّسات ضخمة، و ليست هناك ميزانيّات ترعاها دول، ولا جمعيّات تملك طائرات ولا أرصدة ضخمة، ولا حتّى 1% من أرصدة ولا ميزانيّات ولا إمكانيّات هذه الجمعيّات التّبشيريّة، ومع ذلك فإنّ الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا ؟
الشّيخ يوسف إستس: لقد سألت نفسي هذا السّؤال من قبل ووصلت إلى هذه الإجابة:
هؤلاء النّاس، وهذه الجمعيّات والمنظّمات التّبشيريّة والتّنصيريّة بكلّ ما لديها من إمكانيّات، هم يصرفون النّاس عن الدّين، والدّين ليس ديني ولا دينك، ولكن دين الله، والله اختصّ به نفسه قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ}، والله تعالى تكفّل بحفظه وبحفظ قرآنه وبنشر دينه، ولذلك مهما بلغت جهود هذه المنظّمات التّبشيريّة، ومهما بلغت إمكانيّاتها فإنّهم يحادّون الله، والمسألة محسومة بداية (( لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ )).
أعلنت الطّائفة الكاثوليكيّة مؤخّرا أنّ عدد المسلمين في العالم فاق عدد المسيحيّين، لأنّ الكاثوليك لا يعترفون بغيرهم من الطّوائف الأخرى على أنّهم نصارى، فمعنى أنّهم فاقوا عدد الكاثوليك فهذا نذير وتحذير. ومع ذلك فإنّ المدّ الإسلامي يغزو العالم كلّه.
يقولون: الإسلام انتشر بالسّيف، لكنّه لم ينتشر بالسّيف، ولكن بالكلمة الطّيّبة، وبالمعاملة الحسنة.
- الشّيخ محمّد صلاح: أراد الشّيخ أن يذكر لنا قصّة قبل نهاية اللّقاء.
- الشّيخ يوسف إستس: من أهمّ ما تعلّمته من هذا الشّخص المصري محمّد عبد الرّحمن إكرام الكبير، وإكرام الوالدين خاصّة، فهما أولى بالإكرام من غيرهما، فكثيرا ما رأيت محمّد يجلّ والدي، فأبي لمّا كبر انتقل ليعيش معي في منزلي، واشتدّ به المرض حتّى أنّه فقد الذّاكرة، وأصيب بداء ( ألزيمر )، فأصبح ينسى أشياء كثيرة، فكان يجلس على كرسيّه الهزّاز في غرفته، وكلّما دخلت عليه لأزوره كان يقول: مرحبا، جئت لتزورني ؟ شكرا لك. فكأنّه يراني لأوّل مرّة.
واعتنيت بوالدي عنايةً بالغة، كلّ هذا بسبب الإسلام، بسبب تعليم الإسلام إيّاي حقّ الوالدين، وأوّل شيء أولى بالعناية بعد التّوحيد برّ الوالدين:{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}.
و ذات مرّة، كنت في غرفتي وسمعت مشادّة كلاميّة بين بنتَيّ، فخرجت، وبدلا من أن أنطق بأيّ كلمة لعلمي بما سيقولانه أنّه لا مشكلة، توجّهت إلى أبي على الفور، وكان يجلس فوق كرسيّه الهزّاز، فقلت له: أبي أحبّك، وقبّلته في جبهته ! فقال: أنا أيضا أحبّك.
ثمّ رجعت إلى غرفتي، وقد هدأ المنزل كلّه بعد ارتفاع الأصوات، وقامت البنتان بغسل الأطباق التّي كانت سبب الشّجار، ثمّ جاءت إحداهما إلى غرفتي، وقالت: أبي، إنّي أحبّك، ثمّ قبّلتني من جبيني ! ثمّ صعدت إلى غرفتها، وبعد قليل جاءت الأخرى وفعلت مثلما فعلت الأولى ! فأدركت أنّ المسألة ( كما تفعل سيُفعل بك ).
فإن كنت بارّا بوالديك فسوف يبرّك أبناؤك. وهذه من أعظم الدّروس التّي تعلّمتها في دين الله عزّ وجل، ولأجل ذلك سنّ الله تعالى في القرآن في أكثر من آية بعد توحيد الله برّ الوالدين:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}.
- الشّيخ محمّد صلاح: لو استقام المرء مع نفسه ومع أسرته لكان خير دعوة. محمّد عبد الرّحمن لم يكن ممثّلا، ولم يكن يدّعي البرّ، ولم يكن عالما تخرّج من الأزهر أو من الجامعة الإسلاميّة بالمدينة النّبويّة، لم يحفظ القرآن، وربّما لم يحفظ الكثير من السّور.
محمّد عبد الرّحمن، لم يكن يعرف إلاّ البدائيّات عن الدّين، ولكن رُبِّيَ على الأخلاق الحميدة، رُبّي على السّماحة، ربّاه والداه، علّماه أن يكون كريما، أن يكون ذا خلق، أن يكون حسن الخلق مع الآخرين، ولذلك فالدّين: حسن الخلق، والدّين المعاملة، والنّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( إنَّ الرَّجلُ لَيُدرِكُ بحُسْن الخلُق دَرَجََة الصَّائِم النّهار، القَائِمِ اللَّيْل )).
بقي شيء مهمّ قبل أن ننصرف: أنا لاحظت أنّ كثيرا من المشاركين يتكلّمون اللّغة الانجليزيّة، ولاحظت أنّ الكثير منهم يدرسون الطّب و الهندسة، يُمضون أوقاتا جيدّة على الإنترنت يقومون بالدّعوة، فأردت أن أشارككم هذه الأخبار السّعيدة:
كثير من أبنائنا من هذا البلد الحبيب ومن بلاد المسلمين عامّة، لم يلتقوا بأجانب، ولكنّهم يقومون بدعوتهم، و مؤخّرا زُرْنا بعض الشّباب الّذين يعملون في الدّعوة، أسلم على أيديهم المئات، واستمعنا إلى قصص عديدة، ليس ذلك فحسب.
لقد سمعت مؤخّرا أنّ أختا كانت تشاهد حلقة للشّيخ محمّد حسّان، وكانت معها امرأة يابانيّة، فسألتها: ماذا يقول الرّجل ؟ فهو يتكلّم من قلبه ! فما إن ترجمت لها حتّى شهدت في آخر المطاف بالوحدانيّة و لنبيّه بالرّسالة ! يا له من فوز ! {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
كثير منّا صار لديه أولويّات لم تكن لتكون في المقام الأوّل، فلعلّ هذا اللّقاء يكون إعادة ترتيب للأوراق، يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )).
- الشّيخ يوسف إستس: أطلب من الكرماء أن يشملونا بدعائهم في قيام اللّيل، وأن تدعو لنا، ولأنفسكم، ولسائر المسلمين، بل وللنّاس جميعا:{اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.
- الشّيخ محمّد صلاح: شيخ يوسف، أرجو أن تختم لنا بسورة، أو بآية تحفظها.
- الشّيخ يوسف إستس: هذه السّورة – بالمناسبة – هي أوّل سورة أقرأها، وقرأتها بعد نزاع شديد مع نفسي، حيث كان يحذّرني قِسٌّ آخر، كان لا يمشي إلاّ وهو يحمل صليبا كبيرا على ظهره، فقال: إيّاك إيَّاك أن تلمس هذا القرآن ! أو تفتح هذا الكتاب ستصيبك اللّعنات ! فكنت متردّدا، حتّى في إلقاء نظرة على هذا الكتاب، ثمّ استجمعت قُواي، وقرّرت بعد لقاءات عديدة مع محمّد عبد الرّحمن، فذهبت إلى إحدى المكتبات، وألقيت لأوّل مرّة نظرة على القرآن، وكان بداخلي تردّد شديد: هل ألمسه أو لا ؟ أخاف أن تصيبني اللّعنة كما سمعت ! وكما حُذّرت ! و بعد أن استجمعت قواي دعوت وصلّيت صلاتي الخاصّة، قلت: يا ربّ، احفظني من شرّ هذا الكتاب ! وما إن فتحته قرأت ترجمة معاني سورة الفاتحة، قلت هذا الكلام له معنى عظيم، إلى أن وصلت إلى قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قلت: هذا عجيب ! هذه وصيّة من الوصايا العشر ! ثمّ ظللت أقرأ وأقرأ حتّى لمس القرآن قلبي، وكانت الاستعاذة استعاذةً حقيقيّة، إذ يقول سبحانه وتعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
الشّيخ محمّد صلاح: اللهمّ اهدنا و اهد بنا ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
[يُرجَى من الإخوة القرّاء أن يسعَوا إلى ترجمةٍ مُتْقنة لهذه القصّة باللّغة الفرنسيّة خاصّة، فلعلّ الله يجعل من ذلك هداية لكثيرٍ من النّاس على يديه].