وكان لبعض السّلف حلّة بمبلغ عظيم من المال، وكان يلبسها وقت الصّلاة ويقول: ربّي أحقّ مَن تجمّلت له في صلاتي.
ومعلوم أنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده، لا سيّما إذا وقف بين يديه، فأحسن ما وقف بين يديه بملابسه ونعمته الّتي ألبسه إيّاها ظاهرا وباطنا "اهـ.
- ومن الأدب: نهي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم المصلّي أن يرفع بصره إلى السماء:
فقد روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ ؟! )) فاشتدّ قوله في ذلك حتى قال: (( لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ )).
روى ابن أبي شيبة عن محمّد بن سيرين رحمه الله قال:" كانوا لا يجاوز بصر أحدهم موضع سجوده ".
قال ابن القيّم:" فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا من كمال أدب الصلاة: أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقا خافضا طرفه إلى الأرض ولا يرفع بصره إلى فوق.
قال: والجهمية لما لم يفقهوا هذا الأدب ولا عرفوه، ظنّوا أن هذا دليل أن الله ليس فوق سمواته على عرشه كما أخبر به عن نفسه واتفقت عليه رسله وجميع أهل السنة.
قال: وهذا من جهلهم، بل هذا دليل لمن عقل عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم على نقيض قولهم، إذ من الأدب مع الملوك: أنّ الواقف بين أيديهم يطرق إلى الأرض ولا يرفع بصره إليهم، فما الظنّ بملك الملوك سبحانه !؟"اهـ.
- ومن الأدب أيضا ترك الالتفات في الصّلاة:
فقد روى الترمذي عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا، وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا.
فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ.
فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ.
فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، وَتَعَدَّوْا عَلَى الشُّرَفِ، فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ:
أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي، فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ ؟
وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ ...)) الحديث.
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن التلفّت في الصّلاة، فقال: (( اِخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ )).
والاختلاس هو: الاختطاف بسرعة، قال العلاّمة الطّيبي طيّب الله ثراه:
" سمّي اختلاسا تصويرا لقبيح تلك الفِعلة، لأنّ المصلّي يقبل عليه الرّب تعالى، والشيطان مرتصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان لبفرصة فسلبه تلك الحالة، والله أعلم " اهـ.
- ومن الأدب مع الله عزّ وجلّ السّكون في الصّلاة:
وهو الدوام الذي قال الله تعالى فيه :{ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } [المعارج: 23]. ومنه حديث: (( لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ )) أي: السّاكن.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه سئل عن هذه الآية، أهم الذين يصلون دائما ؟ قال:" لا، ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه ".
قال ابن القيم:" هما أمران: الدوام عليها، والمداومة عليها ".
وروى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ ؟! اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ )). والشُّمْس: جمع شَمُوس، وهي النَّفور.
فمن العبث وسوء الأدب مع الله كثرة الحركة في الصّلاة، وخاصّة من غير داعٍ، كمسّ اللّحية، وتحريك اليد، ونزع القذى من البدن والثّوب وغير ذلك.
وقد روى البخاري ومسلم عن مُعَيقِيب رضي الله عنه قال: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَسْحَ فِي الْمَسْجِدِ - يَعْنِي الْحَصَى – قَالَ: (( إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً )).
وعن جابر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن مسح الحصى في الصّلاة ؟فقال: ((وَاحِدَةً، وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ، كُلُّهَا سُودُ الحَدَق )) [رواه ابن خزيمة، وهو في " صحيح التّرغيب والتّرهيب " (557)].
- ومن الأدب مع الله تعالى:ترك قراءة القرآن في الرّكوع والسّجود.
قال ابن القيّم:" وسمعته – يقصد شيخ الإسلام - يقول في نهيه صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود:
إنّ القرآن هو أشرف الكلام، وهو كلام الله، وحالتا الركوع والسجود حالتا ذلّ وانخفاض من العبد، فمن الأدب مع كلام الله: ألاّ يُقرَأ في هاتين الحالتين، ويكون حال القيام والانتصاب أولى به "اهـ.
- ومن الأدب مع الله: أن لا يستقبل بيته ولا يستدبره عند قضاء الحاجة:
كما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب، وسلمان، وأبي هريرة، وغيرهم رضي الله عنهم، والصّحيح: أنّ هذا الأدب يعمّ الفضاء والبنيان.
- ومن الأدب مع الله في الوقوف بين يديه في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى:
وذلك حال قيام القراءة، ففي الموطّأ لمالك عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أنّه من السنة، وكان الناس يؤمرون به.
ولا ريب أنه من أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء.
والمقصود : أن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرا وباطنا.