1- قصّة هجرة عمر رضي الله عنه.
فقد اشتهر لدى طلبة العلم قصّةُ هجرة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ونصّها:
( لم يهاجر أحد من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاّ مُتَخفِّيا، غيرعمر بن الخطّاب رضي الله عنه ...)، وفيها أنّه قال:" من أراد أن يُثْكِل أمَّه، أو يوتمَ ولده، أو يُرمّل زوجته، فَلْيَلْقَني وراء هذا الوادي .. " ).
ذكر هذه الرّواية ابن الأثير الجزري رحمه الله في " أُسْد الغابة " (4/58) عن عليّ رضي الله عنه، والسّند لا يصِحّ؛ فمداره على الزّبير بن محمّد بن خالد العثماني قال: حدّثنا عبد الله بن القاسم الأملي - كذا الأصل ولعلّه الأَيْلِي - عن أبيه بإسناده إلى عليّ.
وهؤلاء الثّلاثة في عِداد المجهولين، فإنّ أحدا من أهل الجرح والتّعديل لم يذكرهم مطلقا.
[ انظر:" دفاع عن الحديث النّبوي والسّيرة " للشّيخ الألباني رحمه الله].[1]
** ** **
2- قوله عن المدينة إنّها: أحبّ الأرض إليه صلّى الله عليه وسلّم.
قال الحارث بن هشام رضي الله عنه: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي حَجَّتِهِ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
(( وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ الأَرْضِ وَأَحَبُّ الأَرْضِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ .. إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلّ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ أَرْضِكَ إِلَيَّ، فَأَنْزِلْنِي أَحَبَّ الأَرْضِ إِلَيْكَ، فَأَنْزَلَنِي المَدِينَةَ )) [رواه الحاكم (3/312)].
قال الإمام الذّهبي رحمه الله في " التّلخيص ":" موضوع، فقد ثبت أنّ أحبّ البلاد إلى الله مكّة ".
وقال ابن تيمية رحمه الله – كما في " مجموع الفتاوى " (18/124-125)- :" هذا حديث باطل كذب ".
وانظر " سلسلة أحاديث الضّعيفة والموضوعة " (3/رقم 1445).
تنبيه: الشّطر الأوّل من الحديث صحيح، رواه التّرمذي عن ابنِ عبّاس رضي الله عنه قال: قال: رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لِمَكَّةَ: (( مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ ! وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ )).
وروى البخاري تعليقا عن عكرمة عنْ ابن عبّاسٍ في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص:85 ]: لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قَالَ: إِلَى مَكَّةَ.
** ** **
3- قصّة العنكبوت والحمامتين.
أمّا حديث العنكبوت فقد رواه أحمد في " مسنده "، ولكن دون ذكر الحمامتين، وقد حسّنه بعض أهل العلم كابن كثير في " سيرته " (2/239)، والصّواب أنّه لا يصحّ كما سيأتي.
أمّا ذكر الحمامتين فلم يصحّحه أحد من أهل العلم.
وممّا يردّ هذه القصّة أنّ الله عزّ وجلّ ذكر أنّه نصر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بجنودٍ لا يراها النّاس، فقال:{ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: من الآية26]. والعنكبوت والحمام ممّا يراه النّاس !
لذلك قال الشّيخ الألباني رحمه الله تعالى في " السلسلة الضّعيفة " (ج 3 ص339):
" واعلم أنّه لا يصحّ حديث في عنكبوت الغار والحمامتين، على كثرة ما يُذكر ذلك في بعض الكتب، والمحاضرات التي تُلقى بمناسبة هجرته صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، فكن من ذلك على علم "اهـ.
ومن جملة هذه الأحاديث:
(( لَيْلَةَ الغَارِ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ شَجَرَةً فَخَرَجَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم تَسْترُهُ وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ العَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ مَا بَيْنَهمَا، فَسَتَرَتْ وَجْهَ النَّبِيّ ِ صلّى الله عليه وسلّم.
وَأَمَرَ اللهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ، فَأَقْبَلَتَا تَدُفَّانِ - وفي نسخة: تَرُفَّانِ - حتَّى وَقَعَا بَيْنَ العَنْكَبُوتَ، وَبَيْنَ الشَّجَرَةِ، فَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ: مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ، مَعَهُمْ عِصِيُّهُمْ وَقِسِيُّهُمْ وَهِرَاوَاتِهِمْ.
حتّى قال: ( حَتىّ إِذَا كَانُوا عَلَى خَمْسِينَ ذِرَاعًا نَظَرَ أَوَّلُهُمْ، فَإِذَا الحَمَامَاتُ، فَرَجَعَ، قَالُوا: مَا رَدَّكَ أَنْ تَنْظُرَ فِي الغَارِ ؟ قَالَ: رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ بِفَمِ الغَارِ فَعَرَفْتُ أَنَّ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ.
فَسَمِعَهَا النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم، فَعَرَفَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ دَرَأَ عَنْهُمَا بِهِمَا، فَسَمَتْ عَلَيْهِمَا فَأَحْرَزَهُمُا اللهُ تَعَالَى بِالحَرَمِ، فَأَفْرَخَا كُلَّ مَا تَرَوْنَ )).
ذكره الأصبهاني في " دلائل النّبوّة " (2/76)، وهو منكر كما في " الضّعيفة " (3/1128)، ومثله:
4- (( اِنْطَلَقَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الغَارِ، فَدَخَلاَ فِيهِ، فَجَاءَتْ العَنْكَبُوتُ، فَنَسَجَتْ عَلَى بَابِ الغَارِ. وَجَاءَتْ قُرَيْشٌ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْا عَلَى بَابِ الغَارِ نَسْجَ العَنْكَبُوتِ، قَالُوا: لمَْ يَدْخُلْهُ أَحَدٌ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم قَائِمًا يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يَرْتَقِبُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِلنَّبِي صلّى الله عليه وسلّم:
فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي هَؤُلاَءِ قَوْمُكَ يَطْلُبُونَكَ ! أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ مَخَافَةَ أَنْ أَرَى فِيكَ مَا أَكْرَهُ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا )).
تنبيه: قال الشّيخ الألباني رحمه الله في " الضّعيفة " (3/1129):
" إنّما يصحّ من الحديث آخره لوروده في القرآن الكريم، وقول أبي بكر: (أما والله ..)" في الصّحيحين نحوه من حديث البراء" اهـ.
يقصد رحمه الله بآخر الحديث ما رواه الشّيخان عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَنَا فِي الْغَارِ:" لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا !" فَقَالَ: (( مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ؟)).
ومثله هذين الحديثين:
5- (( إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه رَأَى رَجُلاً مُوَاجِهَ الغَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَرَائِينَا ! قَالَ: كَلاَّ إِنَّ المَلاَئِكَةَ تَسْتُرُهُ الآنَ بِأَجْنِحَتِهَا.
فَلَمْ يَنْشُبْ الرَّجُلُ أَنْ قَعَدَ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَهُمَا، فَقَالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( يَا أَبَا بَكْرٍ ! لَوْ كَانَ يَرَاكَ مَا فَعَلَ هَذَا )).
[المصدر السّابق رقم 1130].
6- (( جَـزَى اللهُ العَنْكَبُوتَ عَنَّا خَيْرًا; فَإِنَّهَا نَسَجَتْ عَلَيَّ فِي الغَارِ )). موضوع.
[" المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصّغير "(52)، و"ضعيف الجامع" (2629)].
** ** **
7- حديث في فضل أبي بكر رضي الله عنه ، وهو غنيّ عنه.
لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنَ الغاَرِ، أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِغَرَزِهِ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِلَى وَجْهِهِ فَقَالَ:
(( يَا أَبَا بَكْرٍ ! أَلاَ أُبَشِّرُكَ ؟ )) قَالَ: بَلَى فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي !. قَالَ: (( إِنَّ اللهَ يَتَجَلَّى لِلْخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَامَّةً، وَيَتَجَلَّى لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ خَاصَّةً )).
[" الموضوعات " لابن الجوزي (8/225)، و" ترتيب الموضوعات " للذّهبي (208-209)، و" اللّآلئ المصنوعة " للسّيوطي، و"الفوائد المجموعة " للشّوكاني (1038) و" كشف الخفاء " للعجلوني (1/745)].
** ** **
8- نشيد بنات النجّار " طلع البدر علينا ".
( لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ فِي الهِجْرَةِ خَرَجَتْ بَنَاتُ النَّجَّارِ بِالدُّفُوفِ وَهُنَّ يَقُلْنَ:
طلـع البـدر علينا *** من ثنيّـات الوداع
وجب الشّـكر علينا *** مـا دعـا لله داع
وهذه القصّة لا تصحّ كما بيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في" أحاديث القصّاص " (1/17)، والفتنّي في" تذكرة الموضوعات "(1/196)، والشّيخ الألباني في" الضّعيفة " (1/488)، وقال: " لا أصل له ".
وقال الإمام العراقيّ رحمه الله في " تخريج الإحياء ":" رواه البيهقي في " الدّلائل " من حديث عائشة معضلا ".
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " (7/262) و(8/129):" وهو إسناد معضل، ولعلّ ذلك كان في قدومه من غزوة تبوك ".
وإنّما ذكر هذا الاحتمال، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قدِم من مكّة، فمن أين له أن يمرّ بثنيات الوداع وهي من جهة المدينة الأخرى لمن قدِم من الشّام !؟
** ** **
10- نشيد آخر بنات النجّار.
" وَخَرَجَتْ وَلاَئِدُ بَنِي النَّجَّارِ فَرِحَاتٍ بِمَقْدَمِ رَسُولِ اللهِِ صلّى الله عليه وسلّم وَهُنَّ يَنْشُدْنَ:
نَحْنُ جَوَارِ بَنِي النَجَّارِ *** يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَتُحْبِبْنَنِي ؟ " فَقُلْنَ: نَعَمْ. فَقَالَ: (( اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَلْبِي يُحِبُّكُنَّ )) ".
ذكره الحافظ ابن كثير في" البداية والنّهاية "(3/199-200) من رواية البيهقي في " الدّلائل " بإسناده عن إبراهيم بن صرمة بسنده عن أنس رضي الله عنه .. فذكره.
وعلّته ابن صرمة، فقد قال ابن معين فيه:" كذّاب خبيث "، وضعّفه غيره.
تنبيه: قد أخرجه ابن ماجه في " سننه " (1/587) والبيهقي من طريق أخرى عن أنس به، وليس فيه أنّ ذلك كان عند قدومه إلى المدينة. وسنده صحيح، بل في صحيح البخاري وغيره من طريق ثالثة عن أنس أنّ ذلك كان في عُرس، ولكنّه لم يذكر الرّجز.
** ** **
9- قصّة النّاقة واختيارها لمُقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
( قَالَ أَهْلُ المَدِينَةِ لِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: اُدْخُلْ المَدِينَةَ رَاشِدًا مَهْدِيًّا، قَالَ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى المَدِينَةِ.
فَخَرَجَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، كُلَّمَا مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ! هَهُنُا ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ - يَعْنِي نَاقَتَه ُ-، حَتَّى بَرَكَتْ عَلَى بَابِ أَبِي أَيُّوبٍ الأَنْصَارِي )).
قال الحافظ القيسراني في" ذخيرة الحفّاظ "(3/3715): " باطل ".
هذا ما تيسّر جمعه من الآثار التي أردنا التّنبيه عليها، والحمد لله ربّ العالمين.
[1] هو كتاب بيّن فيه الشّيخ الألبانيّ رحمه الله الأخطاء العلميّة الّتي وقع فيها الدّكتور البوطي في كتابه " فقه السّيرة "، وأوّلَ ما نُشِر كان عبارة عن مقالات نُشرت في مجلّة " التمدّن الإسلامي " بدمشق سنة 1978م.