فقد عرّف المؤلّف رحمه الله القرآن الكريم، وذكر أوصافه وأسماءه، وتحدّث عن إنزال القرآن، وعن المنزّل عليه صلّى الله عليه وسلّم، وذكرنا كيفيّة الوحي.
فناسب أن يتحدّث رحمه الله في هذا الفصل عن المكلّف بهذا الوحي، وهو جبريل عليه السّلام الّذي اصطفاه الله تعالى لينزل بالقرآن الكريم.
وقد ذكر المؤلّف رحمه الله صفات جبريل عليه السّلام كعادته على سبيل اللفّ والنّشر، فذكرها أوّلا مجملةً، ثمّ ذكر أدلّة كلّ صفة من هذه الصّفات.
- فذكر صفة ( الكرم )، ودليلها قوله تعالى:{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}، والكريم هو الفاضل المتحلّي بصفات الكمال كالشّرف والمجد والرّفعة.
ومن أعظم الكرم أنّه لا يبخل ولا يكتم ما أمره الله تعالى بإيحائه إلى أنبيائه، كما قال تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:24]، والضنّ - بالضّاد - هو الشحّ.
- ثمّ صفة ( القوّة )، ودليلها قوله تعالى:{ ذِي قُوَّةٍ}، وجبريل أعظم الملائكة على الإطلاق، وفي صحيح البخاري عن ابنِ مسعُودٍ رضي الله عنه: أَنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (( رَأَى جِبْرِيلَ، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ )).
- ثمّ صفة القرب من الله عزّ وجلّ، ودليلها قوله تعالى:{ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ}.
- ثمّ صفة الاحترام من الملائكة، ودليلها قوله تعالى:{مُطَاعٍ ثَمَّ}ا]: هناك في الملأ الإعلى، فهو أفضل الملائكة، والسّفير بين الله تعالى ورُسله جميعاً.
- ثمّ صفة الأمانة، ودليلها قوله تعالى:{أَمِين}، وقد قرئ قوله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} بالظّاء، والظّنين هو المتّهم.
والملائكة كلّهم أُمناء، ولكنّ الله تعالى اختار أفضلهم وأعظمهم، ليناسب ذلك تنزيل أعظم الكتب على أعظم الرّسل، فجمع الله لهذا الكتاب العظمةَ من جميع الوجوه.
- ثمّ صفة المكانة الرّفيعة عند الله، ودليلها قوله تعالى:{مَكِينٍ}، كما قال تعالى عن نبيّ الله يوسف عليه السّلام:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ}، وقال الملِك:{ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}.
- ثمّ صفة الحسن، ودليلها قوله تعالى:{ذُو مِرَّةٍ}، والمرّة هي الحسن وكمال الخِلقة، وقيل: كمال العقل، فجممع الله الحسن من جميع الوجوه.
- ثمّ صفة الطّهارة، ودليلها قوله تعالى:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ}، والقدُس - بضمّ الدّال ويجوز تسكينها - هو المطهّر من كلّ عيب.
قال رحمه الله: ( وقد بيّن الله تعالى لنا أوصاف جبريل الّذي نزل بالقرآن من عنده وتدل على عظم القرآن وعنايته تعالى؛ فإنّه لا يرسل من كان عظيما إلا بالأمور العظيمة )
أي: إنّ اختيار واصطفاء جبريل عليه السّلام ليكون الموكّل بالوحي يدلّ على منزلة القرآن الكريم.
وهذه رسالة إلى أمّة الإسلام لتعُظّم ما عظّمه الله تعالى، وأن ترتفع إلى مستوى ما رفعه الله عزّ وجلّ.