الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإنّه لم يَرِدْ في الشّرع تحديدُ مدّة معيّنة حتّى يُعرف قطعُ الرّحم من صلتِها، وإنّما ذلك راجع إلى العُرف، شأن ذلك شأن النّفقة على الأقارب، فإنّه ليس لأحدٍ أن يُحدّد مقدار النّفقة الواجبة عليهم.
وقد أكثر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه من تقرير هذا الأصل، وأنّ:" كلّ اسم ليس له حدّ في اللّغة، ولا في الشّرع، فالمرجع فيه إلى العرف ".
وقال ابن القيّم رحمه الله في " أعلام الموقّعين " (4/359):
" إنّ ما لم يقدره الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم من الحقوق الواجبة، فالمرجع فيه إلى العرف ".
وعليه، فإنّ فالصّلة تختلف باختلاف ما يلي:
1- حدّ القرابة:
فهناك قرابة أوكد من أخرى، فليست صلة الوالدين كصلة الإخوة والأخوات، وليست صلة الإخوة كصلة العمومة والخؤولة وفروعِهما، وقس على ذلك.
فقد روى مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رجلٌ: يا رسولَ الله، منْ أَحَقُّ النّاسِ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: (( أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ )).
2- حدّ المسافة:
فالعرف يقضي أنّ الأقارب الّذين يكون مسكنهم أقرب، فإنّ حقّهم أوكد من البعيدين، وهكذا.
ونظيره حقّ الجوار، فقد روى البخاري عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قلْتُ: يا رسول الله، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فإلى أَيِّهِمَا أُهْدِي ؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: (( إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا )).
3- الأسباب والمناسبات:
فإنّ الأعياد - مثلاً - في العُرف سببٌ للالتقاء بين الأقارب، فمنْ قطعها تلك الأيّام من غير عُذرٍ فهو قاطعٌ.
وكذلك المرض، فإذا مرِض أحدٌ من الأقارب، فعلى قريبه أن يَعُوده، ويسألَ عن حاله، وإلاّ كان قاطعا، وقس على ذلك أيضا.
فالشّاهد من هذا كلّه: أنّ ذلك يرجع إلى العرف، وما يغلب على الظنّ.
والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.