نعم أيّها المؤمنون .. كم هم أولئك الّذين صدّهم الشّيطان الرّجيم، وأبعدهم عن الصّراط المستقيم، عندما رأوا الفرقة والاختلاف تدبّ في صفوف المؤمنين ..
إنّ مظهر تخاصم المسلمين وافتراقهم أشدّ على الدّعاة إلى الحقّ من مظاهر التبرّج والسّفور والانحلال والفجور؛ لذا فعلى كلّ مسلم راغب فيما عند الله من الأجر الجزيل والثّواب العظيم أن يسدّ هذا الباب على الشّيطان، ويعين الدّعاة إلى الحقّ على إظهار شعائر الوحدة والوفاق، والائتلاف ونبذ الشّقاق، ولقد صدق من قال:
( متـى يبلغ البنـاء تمـامـه *** إذا كنت تبنـي وغيـرك يهدم )
ورحم الله من قال:
( ولو أنّ وراء ألف بانٍ هادم كفى *** فكيف بألف هادم وبان واحد )
وينحصر حديثنا هذا في نقطتين اثنتين:
1- مقت وبغض الله لمظاهر الاختلاف.
2- إنّ الفرقة من الشّيطان الرّجيم.
فأقول وبالله أستعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل:
- مقت وبغض الله لمظاهر الاختلاف.
معاشر المؤمنين .. نخاطبكم سائلين المولى تبارك وتعالى أن نكون ممّن قال فيهم المولى تبارك وتعالى:{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزّمر]، فلا ينبغي أن يكون نداؤنا هذا كصرخة في صحراء، لا تجلب سرّاء ولا تكشف ضرّاء.
علينا أن نتذكّر جيّدا أنّ الله عزّ وجلّ قد ذمّ الاختلاف في كتابه، ونهى عن التفرّق والتّنازع في محكم خطابه.
وقد يقول قائل: وهل يحتاج هذا الأمر إلى بيان، ثمّ هل يحتاج البيان إلى برهان ؟
والجواب: نعم أيها المؤمنون، نحن بحاجة ماسّة إلى بيان حكم الوحدة بين المسلمين، فإنّ واقع المسلمين اليوم، يشهد شهادة لا ريب فيها أنّهم في غفلة تامّة عن حكمها، فضلاً عن عجزهم عن تطبيقها، أو السّعي إليها، والقليلُ منهم من وفقه الله لإدراك أهميتها، فعمل من أجلها وجاهد في سبيل تحقيقها.
ويظهر لنا ذلك جليّا من وجوه عديدة:
أ) أنّ الله تعالى جعل الاجتماع والائتلاف وصيّة كلّ الرّسل، فقال سبحانه:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى:13]
ب) وأمر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه أن يتبرّؤوا من جميع من دعا إلى حزب، أو جماعة، أو شخص، أو طائفة، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: من الآية159].
ج) وجعل الفرقة من خصائص المشركين، فقال عزّ من قائل:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} [الرّوم]، كما جعل الاجتماع من خصائص المؤمنين، فقال جلّ ذكره:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92].
فاعجب ممّن يخالف المشركين في لباسهم، ويحرص على مخالفتهم في شؤون حياتهم، ثمّ هو واقع في أبرز خصائصهم: الفرقة والشّقاق.
د) وجعل الله الفرقة عذابا، فقد قال تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام:65].
لذلك صحّ من رواية الإمام أحمد عن النّعمَانِ بنِ بشيرٍ رضي الله عنهما قال: قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى الْمِنْبَرِ: (( الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ )).
ولكنّ الشّيطان لبّس على أكثرهم، ففرحوا بما هم عليه من الفرقة كما قال تعالى:{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53].
كلٌّ يرى رأيا وينصـر قولـه *** وله يعادي سائـر الإخوان
ولو أنّهم عند التنازع وُفِّقُـوا *** لتحاكموا لله دون تــوان
ولأصبحوا بعد الخصام أحبّـة *** غيظ العدا ومذلّة الشيطـان
هـ) إنّ الله جعل الفرقة والاختلاف من أعظم ما يكسر شوكة المسلمين ويستبيح بيضتهم، فقال المولى تعالى:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].
ورحم الله مَعْنَ بنَ زائدة الّذي وصفه الذّهبي بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام، وعين الأجواد، أوصى أبناءه عند وفاته قائلا:
كونوا جميعا يا بَنِـيّ إذا اعتـرى *** خطب ولا تتفرقـوا آحـادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن أن تكسرا *** وإذا افترقن تكسّرت آحـادا
أيّها المؤمنون، إنّ التّاريخ يشهد أنّ من أهمّ أسباب سقوط الدّول على اختلاف عقائدها ومللها: التفرّق والاختلاف.
سقطت الخلافة العبّاسية بعد أن تفرّقت الدّول الإسلامية في ذلك الوقت، فنشأت الدولة البويهية، والمماليك، ودويلات الشّام، ولم يبق للخلافة العباسيّة إلاّ مُزَعٌ متفرّقة متناثرة من العالم الإسلامي، فلمّا زحف المغول إلى بغداد لم يقف في وجه زحفهم غير أهل بغداد فقط، فأعملوا فيهم القتل حتى قتلوا أكثر من ثمانمائة ألف نسمة، كما قال غير واحد من المؤرخين.
وسقطت الدولة الإسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلاتٍ متفرّقة متناحرة، لا همّ لأحدهم سوى التلقّب بألقاب الملك والسّلطان، حتّى لو كان على بقعة لا تجاوز حظيرة خراف:
وممّا يزهدني في أرض أندلس *** أسمــاء معتضـد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعه *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
ولم تسقط الدولة العثمانية إلاّ بعد أن تمزّق جسدُها إلى أشلاءَ متناثرة، وبعد أن أغرى الصّليبيّون الجدد بعضَ زعماء المسلمين بالانفصال عنها، وأحسنوا إتقان العمل بقاعدة: فرِّق تسُد.
وهاهو العالم الإسلامي اليوم منقسم إلى دويلات متناحرة، تعيش على هامش التّاريخ، وتتجرّع ألوان الهوان !
ومن أحسن ما فُسِّر به قول الله عزّ وجلّ:{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} [آل عمران:120] قولُ قتادة رحمه الله: الحسنة هي الألفة والجماعة، والسيئة: الفرقة والاختلاف.
و) وكما جعل الله الفرقة من أسباب العذاب في الدّنيا، فهي من أسباب العذاب يوم القيامة.
قال تعالى:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)}.
قال ابن عبّاس رضي الله عنه: تبيضّ وجوه أهل السنّة والائتلاف، وتسودّ وجوه أهل الفرقة والاختلاف.
ز) إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جعل الانتساب إلى الفرق والطّوائف والشّيوخ وغير ذلك دعوى الجاهليّة.
فقد روى البخاري عن جَابِر رضي الله عنه قال:
غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ - يلعب بالحراب - فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ! فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ )) ثُمَّ قَالَ: (( مَا شَأْنُهُمْ ؟))، فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ )).
ونزل القرآن يؤدّب أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} [آل عمران].
فما حزنوا على شيء حزنهم ذلك اليوم.
ح) وإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد بيّن أنّ الاجتماع من أعظم ما يرضاه الربّ تبارك وتعالى.
فقد روى مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ )).
ط) بل إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد حكم على مفرّق الصّفوف بالموت !
فقد روى مسلم عن عَرْفَجَةَ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ - أي: فتن - فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ )).
هذه بعض النّصوص من كتاب الله، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، نسأل الله أن يجعلها ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد.
الخطبة الثّانية:
الحمد لله على إحسانه، وعلى جزيل نعمه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له توحيدا له وتعظيما لشانه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله الدّاعي إلى سبيله ورضوانه، اللّهمّ صلِّ عليه وسلّم وبارك وزِد وعلى أصحابه وآله، وعلى كلّ من اقتفى أثره وسار على منواله، أمّا بعد:
2- إنّ الفرقة من الشّيطان الرّجيم.
فلا ريب أنّ أيّ أمر رضيه الله عزّ وجلّ لنا إلاّ والشّيطان يقعد للعباد ليصدّهم عنه، وليعلم أولئك الّذين يحرصون على تفريق صفوف المؤمنين، وتمزيق وحدتهم، وتشتيت شملهم، أو لا يبالون بذلك، فليعلموا: أنّهم قد أصبحوا خدمة للشّيطان في جميع الميادين، ويقدّمون له أعظم القرابين، ويدلّ على ذلك أمور:
أ) يقول المولى تبارك وتعالى:{وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: من الآية102].
ويوضّح ذلك ما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ ! فَيَلْتَزِمُهُ )).
فإذا كان الشّيطان يفرح كلّ هذا الفرح، ويزل عنه كلّ هذا التّرح لأجل التّفريق بين الرّجل وزوجه، فكيف إذا فرّق بين الأمم والمجتمعات، وشتّت شمل الجماعات ؟! ولكنّني أرى أنّ هذه المَهَمَّة صار يُحسِنها قوم أُشربوا في قلوبهم حبّ الفرقة والتّنازع.
ب) ما رواه أبو داود والنّسائي وأحمد عن أبي الدّرداءِ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ )).
ج) ما رواه أبو داود وأحمد عن أبي ثعلبةَ الخشنِيِّ رضي الله عنه قال: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ )) فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالَ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ.
د) وكلّنا يعلم الأمر بتسوية الصّفوف، فقد روى البخاري ومسلم عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال: قال النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَـالِفَـنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُـوهِـكُمْ )).
وإنّ تركَ هذا الأمر من الشّيطان لذلك كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول-فيما رواه أبو داود-: (( رُصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ )) [الحذف: صغار الغنم السّود].
هـ) ما رواه التّرمذي وابن ماجه وأحمد عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: خَطَبَنَا عُمَرُ رضي الله عنه بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِينَا، فقالَ: (( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ! فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ )).
نسأل الله تعالى أن يهدِيَنا سواء السّبيل، إنّه حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين..