- أمّا من القرآن: فقال الله تعالى:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً} [الأنعام: من الآية114]، وقال:{فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [الأعراف: من الآية87].
- أمّا من السنّة: فما رواه أبو داود والنّسائي بسند صحيح عَنْ هَانِئٍ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ:
(( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ ؟)) فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: ((مَا أَحْسَنَ هَذَا ! فَمَا لَكَ مِنْ الْوَلَدِ ؟ )) قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ.
قَالَ: (( فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ ؟)) قُلْتُ: شُرَيْحٌ.
قَالَ: (( فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ ))[1].
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ( إنّ الله هو الحكم وإليه الحكم ): أي منه يبتدأ الحكم، وإليه ينتهي الحكم.
* معنى الحـكـم.
جاء في " شرح السنّة " أنّ: الحَكَم: هو الحاكم الّذي إذا حكم لا يُردّ حكمه، وهذه الصّفة لا تليق بغير الله تعالى، ومن أسمائه الحكم ".
وقد ذكره جمع من أهل العلم ممّن جمعوا أسماء الله وصفاته: كالخطّابي، وابن منده، والحليمي، والبيهقيّ، وابن العربي، والقرطبي، وابن القيّم، وابن الوزير، وابن حجر، والسّعدي، وغيرهم.
والحكم، والحاكم بمعنى واحد، إلاّ أنّ الحكم أبلغ من الحاكم، من وجهين:
الوجه الأوّل: أنّه يدلّ على العدل، لذلك كان هذا الاسم يقتضي اتّصافه عزّ وجلّ بأنّه حاكم عدل[2].
لذلك قال الطّبري رحمه الله في قوله تعالى:{أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} (8/7):" قل: فليس لي أن أتعدّى حكمه وأتجاوزه؛ لأنّه لا حكم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه ".
الوجه الثّاني: أنّ حكمه لا يُردّ. ولذلك استنبط العلماء من قوله تعالى:{ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } أنّ حُكم الحَكَمين في شقاق الزّوجين: ملزِمٌ وليس فتوى.
* ثمرات معرفة هذا الاسم والإيمان به.
فمن أهمّ الثّمرات:
1- إثبات صفة (العدل): فهو العدل عزّ وجلّ، ولا عدل أكثر من عدله.
وفي الصّحيحين يوم قسم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم غنائم حُنينٍ: " قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا ! وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ! فبلغ ذلك النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
(( فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؟! رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ )).
فالله تعالى هو الّذي يحكم بين عباده في الدّنيا والآخرة بعدله وقسطه، فلا يظلم مثقال ذرّة، ولا يُحمّل أحدا وزر أحد، ولا يُجازي العبد بأكثر من ذنبه، ولا يدع صاحب حقّ إلاّ أخذه؛ فهو العدل في أمره ونهيه وتقديره وتدبيره وأقواله وأفعاله وشؤونه كلّها:{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:115].
لذلك علّمنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن نسأله سبحانه لرفع الهمّ والحزن فقال: (( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ:
اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي )).
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ: (( بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا )).
قال ابن القيّم رحمه الله في " الفوائد " (ص 23):" تضمّن هذا الكلام أمرين:
أحدهما: مضاء حكمه في عبده. والثّاني: يتضمّن حمده وعدله.
وهو سبحانه له الملك وله الحمد، وهذا معنى قول نبيّه هود عليه السّلام:{مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: من الآية56]، أي: مع كونه مالكا قاهرا متصرّفا في عباده، نواصيهم بيده، فهو على صراط مستقيم، وهو العدل الّذي يتصرّف به فيهم.
فهو على صراط مستقيم في قوله، وفعله، وقضائه، وقدره، وأمره، ونهيه، وثوابه، وعقابه، فخبره كلّه صدق، وقضاؤه كلّه عدل، وأمره كلّه مصلحة، والّذي نهى عنه كلّه مفسدة، وثوابه لمن يستحقّ الثّواب بفضله ورحمته، وعقابه لمن يستحقّ العقاب بعدله وحكمته..
ولمّا كان القضاء هو الإتمام والإكمال، وذلك إنّما يكون بعد مضيّه ونفوذه، قال: (( عدل فِيَّ قضاؤك )) أي: الحكم الّذي أكملته وأتممته ونفذته في عبدك عدل منك فيه.
وقوله: (( عدل فِيّ قضاؤك )) يتضمّن جميع أقضيته في عبده من كلّ الوجوه: من صحّة، وسقم، وغنى، وفقر، ولذّة، وألم، وحياة، وموت، وعقوبة، وتجاوز، وغير ذلك، فكلّ ما يقضى على العبد فهو عدل فيه ". اهـ
وقال ابن الأنباري رحمه الله:" لمّا قال تعالى:{إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} كان في معنى: لا تخرج عن قبضته، قاهر بعظيم سلطانه كلّ دابّة، أتبع ذلك قوله:{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، أي: إنّه على الحقّ.
قال ابن القيّم رحمه الله في "النّونية" (2/98):
والعـدل من أوصـافه فـي فعـلـه *** ومـقـالـه والحـكم في المـيـزان
ومن الثّمرات أيضا:
2- الانقياد والقبول لجميع أحكام الله تعالى:
قال عزّ وجلّ:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].
وسبب نزول هذه الآية هو: ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رضي الله عنه عِنْدَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ ! فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لِلزُّبَيْرِ:
(( أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ )) فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ ؟!
فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ثُمَّ قَالَ:
(( اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ )) فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[3].
وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36]. لذلك جعل الفارق بين الجاهليّة والإسلام هو التّحاكم إليه سبحانه وتعالى، فقال:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].
3- إثبات اسم وصفة الحَكَم له وحده سبحانه:
فالحكم له وحده لا شريك له في حكمه، كما أنّه لا شريك له في عبادته، قال عزّ وجلّ:{وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف: من الآية26] كما قال:{وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف: من الآية110]. وقال تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: من الآية40]، وقال:{أَلا لَهُ الْحُكْمُ} [الأنعام: من الآية62] وقال:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: من الآية10].
ولذلك من الخطأ الشّائع تسمية غير الله بالحكم، بل يقال الحاكم كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ )) [رواه البخاري ومسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه].
وقد يُطلق هذا الوصف منكّرا فيمن يُرجى منه العدل، كقوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: من الآية35].
4- خطر منازعة الله هذه الصّفة: وذلك بالحكم بغير ما أنزل الله.
قال الشّنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (7/162):
" وبذلك تعلم أنّ الحلال هو ما أحلّه الله، والحرام ما حرّمه الله، والدّين هو ما شرعه الله، فكلّ تشريع من غيره باطل، والعمل به بدلَ تشريع الله عند من يعتقد أنّه مثله أو خير منه: كفرٌ بواحٌ لا نزاع فيه "اهـ.
وهناك كلام رائق قاله هذا الإمام مفاده أنّ الله عزّ وجلّ بصفاته العظيمة يستحقّ أن يكون له الحكم، فهل من البشر من له مثل صفات خالقه ليشارك ربّه في الحكم ؟! قال رحمه الله:
" اعلم أنّ الله تعالى بيّن في آيات كثيرة صفاتِ من يستحقّ أن يكون له الحكم، فعلى كلّ عاقل أن يتأمّل الصّفات المذكورة الّتي سنوضّحها الآن إن شاء الله، ويقابلها مع صفات البشر المشرِّعين للقوانين الوضعيّة، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التّشريع، سبحان الله وتعالى عن ذلك !
فإن كانت تنطبق عليهم - ولن تكون - فليتّبع تشريعهم.
وإن ظهر يقينا أنّها أحقر وأخسّ وأذلّ وأصغر من ذلك، فليقف بهم عند حدّهم، ولا يُجاوزه بهم إلى مقام الرّبوبيّة. سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته، أو حكمه أو ملكه ! ..." اهـ
5- لا يقال: هذا حكم الله في الأمور الاجتهاديّة:
وقد أطال ابن القيّم رحمه الله الكلام في بيان هذا في "أعلام الموقّعين" (1/39).
6- أنّ الحكمة كلّها في الوحي:
إذا آمنّا بحكمة الله تعالى بمعنييها الكاملين: الحُكم والإحكام، فينبغي أن نؤمن أنّ كلامه كذلك، فهو حكيم محكم، قال تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1] وقال:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس:1]..
فالقرآن حاكم، كما سبق بيانه، وحكيم في أسلوبه، وحكيم في هدايته ورحمته، وحكيم في إيضاحه وبيانه، وحكيم في ترغيبه وترهيبه، ووعده ووعيده، وفي كلّ ما اشتمل عليه.
وكذلك سنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فينبغي لكلّ من تكلّم أن ينطلق من القرآن والسنّة، فهما جامعان لكلّ خير.
إذا تقرّر هذا فكلّ نصّ رغّب في الحكمة فينبغي أن يراد منه ويفهم منه أوّلا القرآن الكريم وسنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والعلم بالقرآن الحكيم والسنّة، كما في قوله تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة:269]، وفي قوله:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النّساء: من الآية113].
وكذا في الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا )).
7- ومن آثار هذين الاسمين والصّفتين اتّصف سبحانه وتعالى وتسمّى بـ: ( المقدّم والمؤخّر ).
وهذا ما نراه لاحقا إن شاء الله، والحمد لله ربّ العالمين.
[1] ( فأنت أبو شريح): أي رعاية للأكبر سنّا، وفيه أنّ الأولى أن يكنّى الرّجل بأكبر بنيه.
[2] أمّا اعتبار بعضهم العدلَ صفة من صفاته تعالى فليس عليه دليل، وممّن اعتبره اسما ابنُ القيّم رحمه الله حيث قال في "شفاء العليل" (1/276):" وقد تسمّى سبحانه بالحكم العدل ".
[3] قوله: ( أنّ رجلا من الأنصار ) زاد في رواية: " قد شهد بدرا ".
وهي زيادة تردّ قول الدّاودي والزجّاج وغيرهما أنّ خصم الزّبير كان منافقا. ولكنّه مؤمن صدر ذلك منه خطأً كما وقع لغيره ممّن صحّت توبته، وقوّى هذا شارح " المصابيح " التوربشتي ووهّى ما عداه، وقال:" لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النّصرة الّتي هي المدح، ولو شاركهم في النّسب، قال: بل هي زلّة من الشّيطان تمكّن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة " ا هـ. لذلك قال ابن التين رحمه الله:" إن كان بدريّا فمعني قوله:{ لاَ يُؤْمِنُونَ }: لا يستكملون الإيمان "، والله أعلم.
قوله صلّى الله عليه وسلّم: (سرّح): أي أطلقه. وإنمّا قال له ذلك لأنّ الماء كان يمرّ بأرض الزّبير رضي الله عنه قبل أرض الأنصاريّ، فيحبسه لإكمال سقي أرضه ثمّ يرسله إلى أرض جاره، فالتمس منه الأنصاري تعجيل ذلك فامتنع.