وقد نقل ابن منظور رحمه الله عن الأَصمعيّ رحمه الله أنّه قال:" الإزْرامُ: القطع "، أَي: لا تقطعوا عليه بولَه.
ويستعمل الفعل لازما بكسر الرّاء، فيقال: ( زَرِمَ )، ويستعمل متعدّيا بفتح الرّاء أو بهمزة التّعدية، فيقال: ( زرمه، وأزرمه ).
ب) أمّا استعماله بمعنى السّرقة؛ فلأنّ أصل معنى ( السّرقة ): القطعة من الشّيء.
ومنه ما رواه البخاري عن البرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قال: (( أُهْدِيَ إلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا وَلِينِهَا، فقالَ رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا ؟)) قَالُوا: نَعَمْ يَا رسولَ اللهِ، قالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا !)).
فإذا كانت السّرَقة - بفتح الرّاء - هي القطعة من الشّيء، كانت السّرِقة - بكسر الرّاء - بمعنى: الاقتطاع، وهو معنى الزّرم؛ فأطلق من أجل ذلك لفظ ( الزرّام ) على السّارق؛ لاتّحادهما في معنى القطع.
الفوائد:
1- نهيُه صلّى الله عليه وسلّم أصحابَه رضي الله عنهم عن قطعِ بولِ الأعرابيّ لما فيه من الضّرر والفساد من وجوه:
الوجه الأوّل: الضّرر الّذي يعود على صحّة الزّارم لبوله، فقد قال ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية":" قال الأطبّاء: حبس الرّيح إذا أراد الخروج يورث الحصْر، وظلمةَ العين، ووجع الفؤاد والرّأس، وحبسُ البولِ يورثُ جميع هذه الأشياء مع الحصاة ..."اهـ.
الوجه الثّاني: الضّرر الّذي ينشأ من ردّ فعل الزّارم لبوله؛ فإنّه إذا أُكرِه على ذلك اشتاط غضباً وأظهر من الفعل قُبحاً، فلا يسمع وعظا ولا يقبل نصحاً، وإنّما ينفع النّصح إذا لم ينشغل القلب.
الوجه الثّالث: المفسدة الّتي تعود على الجسد والثّوب والمكان، فإنّ المكره على قطع البول إذا تحرّك أصاب بوله جسده وثوبه، أمّا المكان فما نُهِي عن البول في المسجد إلاّ لحرمته وقداسته، وزرمُ البول يزيد من رقعة نجاسته.
2- في حديث أنس رضي الله عنه السّابق نرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضرب المثل بمناديل سعد رضي الله عنه؛ ذلك لأنّ المناديل هي أهون ما يستعمله المرء، فيزيل بها النّجاسة وما يتقذّر منه ونحو ذلك، فإذا كانت مناديل الجنّة أعظم قدرا من الحرير، فما بالك بثياب أهل الجنّة ؟!
ولعلّه صلّى الله عليه وسلّم خصّ سعداً رضي الله عنه بالذّكر؛ لأنّ الخطاب كان للأنصار، وهو سيّدهم.
3- الجزاء من جنس العمل: فلمّا كان معنى السّرقة القطع، ناسب أن يكون الحدّ هو القطع.
والله الموفّق لا ربّ سواه.