هو أبو عبد الله الحسين، بنُ عليّ بنِ أبي طالب بنِ عبد المطّلب بنِ هاشم، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته ومحبوبه، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها.
كان مولده سنةَ أربعٍ للهجرة، ومات قتيلاً شهيداً في اليوم العاشر من شهر الله المحرّم، سنة (61 هـ)، بكربلاء من أرض العراق فرضي الله عنه وأرضاه.[ سير أعلام النبلاء (2/ 280) الإصابة (1/ 331) ـ 334)].
وقد وردت في مناقبه وفضائله أحاديث كثيرة منها:
1- قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، اللَّهُمَّ أَحِبَّ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً )) [رواه أحمد في "فضائل الصّحابة"].
2- قوله صلّى الله عليه وسلّم عن الحسن والحُسين: (( هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا )) [رواه البخاري].
3- قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ )) [رواه أحمد].
ثانياً: الأسباب التي أدت إلى خروج الحسين والفتوى التي بنى عليها خروجه رضي الله عنه.
فقد تمّ الصّلح بين الحسن ومعاوية رضي الله عنهم جميعا، وبايَع الحسينُ نفسُه معاويةَ رضي الله عنهما، وإنّما قبل بالصّلح وبايعَ اتّباعا لأخيه الحسن رضي الله عنه، ودرءا للفتنة، وحرصاً على جمع كلمة المسلمين.
ولكن بعد وفاة معاوية رضي الله عنه، وانتقال الخلافة إلى يزيد بن معاوية، تغيّر موقف الحسين؛ ورأى أنّه لم يعد في عنقه بيعة توجب عليه السّمع والطّاعة.
وكان سبب معارضته حرصَه على مبدأ الشّورى، فقلبُ الحكم من الشّورى إلى الملك الوراثيّ هو أعظم ما حمله على الخروج.
حينها سارع زعماء الكوفة بالكتابة إلى الحسين - وكان رضي الله عنه على صلة بهم -، وطلبوا منه المسير إليهم على وجه السّرعة، فكان ما كان [" مواقف المعارضة " ص (180) لابن عبد الهادي].
ثالثا: عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة.
حرص الحسين رضي الله عنه على أن تكون مقاومته للحكم الأموي بعيدا عن مكّة حتّى لا تُستحلّ حرمتُها، فقال لابن عبّاس رضي الله عنهما: لَأَنْ أقتلَ بمكان كذا وكذا، أحبّ إلَيّ من أن أقتلَ بمكة وتُستحلّ بي ["تاريخ الطّبري"].
رابعا: نصائح الصحابة والتابعين ورأيهم في خروج الحسين.
أ- أخوه محمّد بن عليّ بن الحنفيّة:
قال له: يا أخي، أنت أحبّ النّاس إليّ، وأعزّهم عليّ، ولست أدّخر النّصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك، تَنَحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم أبعث رسُلَك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعوا لك حمدنا الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ويذهب به مروءتك ولا فضلك أني أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك فيقتلون فتكون لأول الأسنة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً، وأباً، وأماً، أضيعها دماً وأذلّها أهلاً ... يا أخي، قد نصحت فأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديداً. ["أنساب الأشراف" (4/ 15 ـ 16)].
ب- عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
قال له: يا ابن عمّ، إنّه قد أرجف النّاس أنّك سائر إلى العراق ! فبيّن لي ما أنت صانع ؟ قال: قد أجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء الله تعالى، فقال له ابن عبّاس: أخبرني إن كان عدوُّك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوّهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حيّا، وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنّهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزّوا عليك النّاس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد النّاس عليك.
وزاد فقال له من الغد: يا ابن عمّ، إنّي أتصبّر ولا أصبر، وإنّي أتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك، إنّ أهل العراق قوم غدر ! فلا تغترنّ بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوّهم ثمّ أقدم عليهم، وإلاّ فسر إلى اليمن فإنّ به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب ... فإن كنت ولا بدّ سائراً، فلا تَسِر بأولادك ونسائك، فوالله إنّي لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه. [" الكامل في التّاريخ " (2/ 546)].
ت- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
فقد نصح الحسين رضي الله عنه في أكثر من موقف.
فحين بلغه خروج ابن الزبير والحسين إلى مكة رافضين بيعة يزيد، لقيهما، وقال: أذكركما الله إلاّ رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس وتنظران، فإن اجتمع عليه الناس لم تشذّا، وإن افترق عليه كان الّذي تريدان ["الطبقات الكبرى" (1/ 444)].
ولحق ابن عمر الحسينَ بعدها فقال له: إنّ الله خَيَّر نبيَّه بين الدّنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنّكم بضعة منه، لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلاّ للّذي هو خير لكم، فارجعوا.["سير أعلام النّبلاء" (3/ 292)].
ج- عبد الله بن الزبير رضي الله عنه:
فعلى الرّغم من أنّه خرج على بني أمّية، ولكنّه نصح الحسين قائلاً: أين تذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك، فقال له الحسين: لَئِن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن تستحل بي - يعني مكة. ["مصنّف ابن أبي شيبة" (15/ 95) بسند حسن].
وقد عدَّ بعض الصّحابة ما قام به الحسين رضي الله عنه خروجا على الإمام صاحب البيعة، وأنّ من وراء ذلك شرّ وبلاء على الأمّة ["مواقف المعارضة" ص (236)].
منهم:
ح- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:
قال:" غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله في نفسك والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك " ["تهذيب الكمال" (6/ 461)].
خ- جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
قال:" كلّمت حسيناً، فقلت له: اتّقِ الله ولا تضرب النّاس بعضَهم ببعض، فوالله ما حمدتم ما صنعتم، فعصاني. ["الطّبقات الكبرى" (1/ 445)].
ر- عبد الله بن جعفر رضي الله عنه:
كتب إليه:" أمّا بعد، فإنّي أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإنّي مشفق عليك من الوجه الّذي توجّهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. ["تاريخ الطبري" (6/ 311)].
وظنّ عبد الله بن جعفر أنّ سبب خروج الحسين هو خوفه من الوالي عمرو بن سعيد بن العاص، فكتب ابن جعفر كتابا وختمه الوالي نفسُه:" بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن عليّ، أمّا بعد:
فإنّي أسأل الله أن يصرفك عمّا يُوبقك، وأن يهديك لما يرشدك، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق، وإنّي أعيذك بالله من الشّقاق، فإني أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر، ويحي بن سعيد، فأقبل إليّ معهما، فإنّ لك عندي الأمان والبرّ والصلة وحسنَ الجوار لك، والله بذلك شهيدٌ وكفيلٌ، ومراعٍ ووكيلٌ، والسّلام عليك ".["تاريخ الطبري" (6/ 311)].
ز- أبو واقد الليثي رضي الله عنه:
قال: بلغني خروج الحسين، فأدركته بملل، فناشدته الله ألا يخرج، فإنّه يخرج في غير وجه خروج، إنما يقتل نفسه، فقال: لا أرجع. [" مختصر تاريخ دمشق " (7/ 139)].
د- عمرة بنت عبد الرحمن:
فقد كتبت إليه تعظّم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنّه إنّما يساق إلى مصرعه. ["مختصر تاريخ دمشق" (7/ 139)].
ذ- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث:
قال له: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا، فيُقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره ! فأُذكِّرك الله في نفسك. ["البداية والنهاية" (11/ 504)].
س- عبد الله بن مطيع:
فقد قال: إنّي فداك أبي وأمي ! متّعنا بنفسك، ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولا وعبيداً [" مختصر تاريخ دمشق " (7/ 139)].
ش- سعيد بن المسيب:
قال: لو أنّ الحسين لم يخرج لكان خيراً له. ["سير أعلام النّبلاء" (3/ 296)].
وغيرهم، ممّن رأوْا أنّهم إذ بايعوا يزيدَـ فليس ذلك لأنّه أفضل من غيره من الصّحابة والتّابعين، ولكنهم فعلوا ذلك درءاً لمفسدة التّفرق والاختلاف بين المسلمين.
ومن الملحوظ إجماع كلّ من نصح الحسين رضي الله عنه - حتّى من لم ير بأساً برفضه البيعة - على أن لا يخرج للعراق، ولا يثق في أهل الكوفة.
وممّا يلفت الانتباه كذلك إجماعُهم في توقّعهم لمقتل الحسين ! وفي ذلك أعظم دليل على معرفة أولئك الناصحين من العلماء بالأوضاع، ووعيهم لما سبق من أحداث جرت إبّان الفتنة بين علي ومعاوية، عرفوا من خلالها الدّوافع والأهواء التي تدفع ببعض الأقوام للاستفادة من إثارة الإحن ودوام الفتن. [انظر:" أثر العلم في الحياة السياسية" ص (481)].
[يُتبع إن شاء الله].