وكتاب " الانتصار " كتاب جليل القدر، عظيم النّفع، جدير بأن يقرأ من أوّله إلى آخره، ولكن رأيت أن أنقل للقرّاء الكرام فصلا من أهمّ الفصول، حوى من أطيب النّقول، عن أئمّة أهل البيت الفحول، فيها بيان لموقف أهل البيت من الرّافضة ومن عقائدهم الفاسدة.
وقد يقول لك أيّ رافضي: لا تصحّ عندنا هذه الآثار، ولا نصدّق بهذه الأخبار.
فالجواب من وجهين:
1- أنّ هذه الأخبار وُزِنت بميزان أهل الحديث، ذلكم الميزان الّذي قبلتم به أخبارا كثيرة في فضائل عليّ رضي الله عنه وأهل بيته، فلماذا تردّونها وهي تكشف عواركم، وتهتك أستاركم ؟!
2- وقبلتم بتلك الموازين نفسِها كثيرا من الأخبار الّتي ظاهرها – بزعمكم – أنّ فيها بيانا لأخطاء بعض الصّحابة، فأهل السنّة يذكرون ما لهم وما عليهم، فاتّخذتم منها سبيلا إلى الطّعن فيهم، فلماذا تردّون هذه الأخبار الفاضحة للرّافضة مع أنّها من مشكاة واحدة ؟!
ونعود إلى ما نحن بصدد نقله، فقد قال الشّيخ حفظه الله:
" أئمّة أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلّم كسائر أهل السنّة في موقفهم من الرّافضة ومن عقائدهم، فهم يعتقدون ضلالهم وانحرافهم عن السنّة، وبعدَهم عن الحقّ. وهم من أشدّ النّاس ذماً ومقتاً لهم، وذلك لنسبتِهم تلك العقائد الفاسدة إليهم، وكثرةِ كذبهم عليهم، وقد تعدّدت عبارات أهل البيت وتنوّعت في ذمّ الرّافضة وبراءتهم من عقيدتهم.
فممّا جاء عنهم في براءتهم من عقائد الرافضة وتأصيلهم عقيدة أهل السنة:
* ( قول عليّ رضي الله عنه فيهم ).
- ما ثبت عن عليّ رضي الله عنه وتواتر عنه أنّه قال وهو على منبر الكوفة: ( خير هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما)[1].
- وعنه رضي الله عنه أنّه قال: ( لا يفضّلني أحد على الشّيخين إلاّ جلدته حدّ المفتري )[2].
- وفي الصّحيحين أنّه قال في حقّ عمر عند تشييعه[3]: ( ما خلفت أحداً أحبّ إليّ من أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايْمُ الله إن كنت لأظنّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت أسمع كثيراً رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر،وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وإن كنت لأظنّ أن يجعلك الله معهما )[4].
وهذه الآثار الثّابتة عن عليّ رضي الله عنه تناقض عقيدةَ الرّافضة في الشّيخين كما تقدم، وتدلّ على براءة عليّ رضي الله عنه من الرّافضة ومن عقيدتهم، وتولّيه للشّيخين وسائر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وحبّه لهم، وإقراره للشيخين بالفضل عليه، وعقوبته من فضّله عليهما، وتمنّيه أن يلقى الله بمثل عمل عمر.
فرضي الله عنه وعن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الطيبين المطهرين من كل ما ينسبه إليهم أهل البدع من الرافضة والخوارج المارقين.
ثمّ من بعد عليّ رضي الله عنه جاءت أقوال أبنائه، وأهل بيته، في البراءة من الرافضة ومن عقيدتهم، وانتصارهم لعقيدة أهل السنة.
وإليك طرفاً من أقوالهم في ذلك:
* قول الحسن بن عليّ رضي الله عنهما.
- عن عمرو بن الأصم قال: قلت للحسن: إنّ الشّيعة تزعم أنّ علياً مبعوث قبل يوم القيامة، قال:"كذبوا والله، ما هؤلاء بالشّيعة؛ لو علمنا أنّه مبعوث ما زوّجنا نساءه، ولا اقتسمنا ماله "[5].
- وروى أبو نعيم: قيل للحسن بن عليّ رضي الله عنهما: إنّ النّاس يقولون: إنّك تريد الخلافة، قال:" كانت جماجم العرب في يدي، يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمّة محمد صلى الله عليه وسلم "[6].
* قول الحسين بن عليّ رضي الله عنهما.
- كان يقول في شيعة العراق - الّذين كاتبوه ووعدوه بالنّصر، ثمّ تفرّقوا عنه وأسلموه إلى أعدائه -:" اللهم إنّ أهل العراق غرّوني وخدعوني، وصنعوا بأخي ما صنعوا، اللهمّ شتِّت عليهم أمرهم وأحصهم عدداً "[7].
ثمّ كان نتيجة غدرهم وخذلانهم له استشهاده - رضي الله عنه - هو وعامّة من كان معه من أهل بيته، بعد أن تفرّق عنه هؤلاء الخونة.
فكان مقتله رضي الله عنه مصيبةً عظيمةً، ومأساة جسيمة، يتفطّر لها قلب كلّ مسلم، تولّى كبرها هؤلاء الشّيعة، الّذين يُظهرون اليوم تحسُّرهم وندمهم على مقتل الحسين بإقامة تلك المآتم المبتدعة في يوم عاشوراء من كلّ سنة، فقبّحهم الله، ما أكذب دعواهم في ولاية أهل البيت، وأعظم غدرهم وخذلانهم لهم !!
* قول علي بن الحسين رحمه الله.
- ثبت عنه أنّه قال:" يا أهل العراق، أحِبُّونا حبّ الإسلام، ولا تحبّونا حبّ الأصنام، فما زال بنا حبّكم حتّى صار علينا شيناً "[8].
- وعنه رحمه الله:" أنّه جاءه نفر من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلمّا فرغوا قال لهم:
ألا تخبروني ؟ أنتم المهاجرون الأوّلون الّذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ؟ قالوا: لا !
قال: فأنتم الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم، يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ؟ قالوا: لا !
قال: أشهد أنّكم لستم من الّذين قال الله عز وجل:{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }، اُخرُجوا فعل الله بكم !!"[9].
* قول محمد بن علي ( الباقر ).
- عن محمّد بن عليّ أنّه قال:" أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسنَ ما يكون من القول "[10].
- وعنه رحمه الله أنّه قال لجابر الجعفيّ:
" إنّ قوماً بالعراق يزعمون أنّهم يحبّوننا، ويتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ويزعمون أنّي أمرتهم بذلك؛ فأخبرهم: أنّي أبرأ إلى الله تعالى منهم، والله برئ منهم، والّذي نفس محمد بيده لو وُلِّيت لتقرّبت إلى الله بدمائهم. لا نالتني شفاعة محمّد إن لم أكن أستغفر لهما، وأترحّم عليهما، إنّ أعداء الله غافلون عنهما "[11].
- وعن بسّام الصّيرفي قال: سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر فقال:" والله إنّي لأتولاّهما، وأستغفر لهما. وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلاّ هو يتولاّهما "[12].
* قول زيد بن عليّ رحمه الله.
- عن زيد بن عليّ أنّه قال:" كان أبو بكر إمام الشّاكرين. ثمّ تلا:{ وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ }، ثمّ قال: البراءة من أبي بكر هي البراءة من عليّ "[13].
- وعنه رحمه الله أنّه قال:" البراءة من أبي بكر وعمر: البراءة من عليّ رضي الله عنهم، فإن شئت فتقدّم، وإن شئت فتأخّر "[14].
* قول جعفر بن محمّد ( الصادق ).
- عن عبد الجبّار بن عبّاس الهمْداني: أنّ جعفر بن محمّد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة، فقال:
" إنّكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم، فأبلغوهم عنّي: من زعم أنّي إمام معصوم مفترض الطاعة؛ فأنا منه برئ، ومن زعم أنّي أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه برئ "[15].
- وعن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفر عن أبي بكر وعمر ؟ فقال: يا سالم، تولَّهُما وابرأ من عدوّهما؛ فإنّهما كانا إمامَيْ هُدى.
ثم قال جعفر: يا سالم، أيسبّ رجل جدّه ؟ أبو بكر جدّي، لا نالتني شفاعة محمّد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوّهما "[16].
- وعن جعفر بن محمّد أنّه كان يقول: [17]" ما أرجو من شفاعة عليّ شيئاً، إلاّ وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله، لقد ولدني مرّتين[18]".
- وعنه رحمه الله أنّه سئل عن أبي بكر وعمر فقال:" إنّك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنّة "[19].
وعنه أنّه قال:" برِئَ الله ممّن تبرّأ من أبي بكر وعمر "[20].
قال الذّهبي معقباً على هذا الأثر:" قلت: هذا القول متواتر عن جعفر الصّادق، وأشهد بالله إنّه لبارّ في قوله، غير منافق لأحد، فقبّح الله الرافضة ".
فهذه هي أقوال أئمة أهل البيت، الطيّبين الطّاهرين، الّذين تدّعي الرافضة إمامتهم وولايتهم، وينسبون إليهم عقيدتهم؛ جاءت موضحة ومبينة موقفهم من الرافضة، ومن دينهم، وبراءتهم منهم ومن كلّ ما يلصقونه بهم من عقائدهم المكفّرة، ومطاعنهم على خيار الصّحابة، وأمّهات المؤمنين.
وأنّ هؤلاء الأئمّة من أهل البيت على عقيدة أهل السنة ظاهراً وباطناً، في كلّ كبير وصغير، فهي عقيدتهم الّتي بها يدينون، وعليها يوالون ويعادون؛ وأنّ من نسب لهم غير ذلك فهو كاذب عليهم ظالم لهم، فرحمهم الله رحمة واسعة، وقبّح الله الرافضة، ما أعظم فريتهم عليهم ! وأشدّ أذيتهم لهم !"اهـ.
والحمد لله، أوّلا وآخرا، وظاهرا وباطنا
[1] الإمام أحمد في " المسند" (1/106)، وابن أبي عاصم في " السنة " ص(556)، وصحّحه الألباني في " ظلال الجنّة "، وأخرجه اللالكائي (7/1366-1397)، ورواه أبو نعيم في كتاب " الإمامة " ص (283)، ومحمد بن عبد الواحد المقدسي في " النهي عن سب الأصحاب " ص(73)، وأبو حامد المقدسي في رسالة في الرد على الرافضة ص(296).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن حديثه عن براءة علي رضي الله عنه من الرافضة:« وقد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة أنّه قال على منبر الكوفة وقد أسمع من حضر: خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر، ثم عمر. وبذلك أجاب ابنه محمد بن الحنفية فيما رواه البخاري في صحيحه » [" منهاج السنّة " (1/11-12)، وانظر الأثر في البخاري ( كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً ). [" فتح الباري " (7/20ح3671].
[2] أخرجه عبد الله بن أحمد في " السنة " (2/562)، وابن أبي عاصم في " السنة " ص(561)، وأبو حامد المقدسي في رسالة في الرد على الرافضة ص (298).
[3] أي: تشييع جنازته رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري ومسلم.
[5] أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (1/148)، وفي " فضائل الصحابة " (2/175)، وأورده الذّهبي في " السّير " (3/263).
[6] " حلية الأولياء " (2/37).
[7] أورده الذّهبي في " السّير " (3/302).
[8] أخرجه اللاّلكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنّة " (7/1398)، وأورده أبو نعيم في " الحلية " (3/137)، والذّهبي في " السير " (4/390).
[9] أورده أبو نعيم في " الحلية " (3/137).
[10] أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15/355أ)، وأورده الذّهبي في " السير " (4/406)، وأبو حامد المقدسي في " الرد على الرافضة " ص (302).
[11] أخرجه محمد بن عبد الواحد المقدسي في " النّهى عن سبّ الأصحاب " ص (75)، وأورده البيهقي في كتاب " الاعتقاد " ص (361)، وأبو حامد المقدسي في " الردّ على الرافضة " ص (303).
[12] أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (5/321)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15/355ب)، وأورده ابن كثير في " البداية والنهاية " (9/321)، والذهبي في " السير " (4/403)، وأبو حامد المقدسي في " الرد على الرافضة " ص(304).
[13] أخرجه اللاّلكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (7/1302)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6/324ب)، وأورده الذّهبي في " السير " (5/390).
[14] أخرجه محمّد بن عبد الواحد المقدسي في " النّهي عن سبّ الأصحاب " ص(75).
[15] أورده الذّهبي في " سير أعلام النّبلاء " (6/259).
[16] أخرجه عبد الله بن أحمد في " كتاب السنّة " (2/558)، واللاّلكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (7/1301)، وأورده الذّهبي في " السير " (6/258).
[17] أخرجه اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (7/1301)، وأورده الذهبي في " السّير " (6/259).
[18] قال الذهبي في ترجمة جعفر بن محمد: « وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي، وأمها هي أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان يقول: ولدني أبوبكر الصديق مرتين»سير أعلام النبلاء 6/255.
[19] أورده الذّهبي في " السّير " (6/259).
[20] أورده الذّهبي في " السّير " (6/260).