شرح كتاب اللّباس 07:مسائل تتعلق بعورة الرّجل.
- تعريف العورة:
- في اللغة: العورة مشتقّة من العَوَر، والعَوَر خلو العين الواحدة من النّظر. فالعورة شيء ينبغي مراقبته لخلوّه.
- في الشّرع: هي ما حرّم الله عزّ وجلّ كشفه والنّظر إليه، وما حرّم كشفه في الصّلاة.
- بيان تحريم الإسلام لإظهار العورات وإيجابه سترها:
- هذا معلوم من الدّين بالضّرورة.
- قال الله تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} هذه الآية نزلت عندما كان بعض عرب الجاهليّة يطوفون بالبيت عراة. والخطاب في الآية لجميع العالم، لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
- لأهمّية ستر العورة ومكانتها في الإسلام، نرى الله عزّ وجلّ يقرن بها التّقوى، قال الله تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}
- نهى المولى عزّ وجلّ عن كشف العورات وسمّاها فتنة، فقال:{ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا}.
- بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بستر العورة حتى أمر بستر العورة ولو كنت خاليا ما لم تدع الحاجة إلى إبدائها.
- عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ.
- عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ.
- عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ أَحْمِلُهُ ثَقِيلٍ وَعَلَيَّ إِزَارٌ خَفِيفٌ قَالَ فَانْحَلَّ إِزَارِي وَمَعِيَ الْحَجَرُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَضَعَهُ حَتَّى بَلَغْتُ بِهِ إِلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ إِلَى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً.
- عَنْ يَعْلَى بن أمية رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلَا إِزَارٍ فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ.
- أضف إلى هذه الوجوه أحكام النّظر، ووجوب الاستئذان، وأحكام دخول الحمّام.
- ما هي حدود العورة عند الرّجل؟
- اتفق العلماء على أنّ القبل والدبر عورة يحرم كشفها.
- واتفقوا على أنّ ما دون الرّكبة وما فوق السرّة ليس بعورة.
- والخلاف واقع فيما بين السرّة والرّكبة:
- مذهب جمهور العلماء ذهبوا إلى أنّ عورة الرّجل من السرّة إلى الرّكبة. والأدلّة على ذلك ما يلي:
- روى البخاري رحمه الله تعليقا:بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ.
- وروى الترمذي رحمه الله عن جرهد رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنْ الْعَوْرَةِ
- روى الإمام أحمد والدّارقطني رحمهما الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ ما تحت السرّة إلى الركبة عورة"
- مذهب ابن حزم رحمه وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أنّ العورتان هما القبل والدّبر فقط. واستدلوا بحديثين اثنين:
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- عن عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَوَّى ثِيَابَهُ فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ.
- جواب أهل العلم عن هذين الدّليلين:
- كلا الحديثين هما حكاية حال، وحكاية الأحوال معرّضة للأعذار والاحتمال.
- حديث أنس رضي الله عنه محمول على أنّ الإزار انحسر بنفسه، والدليل على هذا رواية في صحيح مسلم:" وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
- الاستدلال بحديث عائشة ضعيف من وجوه:
- أوّلا: وقع التردد في الرواية:"كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ" إذن مادام فيه احتمال، نرجع إلى النّصوص المحكمة.
- ثانيا: لو سلمنا أنّهما الفخذين:فنقول أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أنّ فخذيه باديتان وهو مضطجع.
- ثالثا: لو ظلّ على ما كان عليه لصحّ الدّليل، لكن كونه رأى فخذيه مكشوفتين فغطّاهما، فدلّ على أنّهما عورة.
- يحتمل أنّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما جلسا حين دخلا في موضع لا يقع بصرهما على الموضع المكشوف منه صلى الله عليه وسلم، فلمّا دخل عثمان رضي الله عنه ربما ما بقي إلا موضع لو جلس فيه لوقع بصره على فخذ النّبي صلى الله عليه وسلم.
- خامسا: تُرجح الأحاديث السابقة التي تمنع كشف الفخذ على حديث عائشة لقواعد الترجيح التالية:
- الحاضر مقدّم على المبيح.
- القول مقدّم على الفعل.
- المحكم مقدّم على المتشابه.
- الترجيح بالاحتياط.
|