الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فللعلماء فيمن فاتته ركعة من المغرب أو العشاء قولان اثنان:
- القول الأوّل هو قول الأئمّة المالكيّة:
أنّه يقضيها على النّحو الّذي فاتته، فيجهر فيها، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا )) [رواه أبو داود].
قالوا: والقضاء هو الإتيان بالعبادة على نحو ما فاتت، دون تغيير ولا تبديل.
- القول الثّاني هو قول جمهور أهل العلم:
أنّه يتمّ، أي: يقضيها على نحو ما وجد صلاته عليه، فالرّكعة الأولى الّتي أدركها هي ركعته الأولى، والأخيرة الّتي بقيت عليه هي الأخيرة عنده أيضا.
واستدلّوا بالحديث نفسِه لكن بلفظ آخر – وهو في صحيح مسلم –: ((... فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا )) [رواه مسلم].
قالوا: كلّ رواة الحديث عن الزّهري قالوا: ( أَتِمُّوا )، إلاّ سفيان بن عيينة شذّ فقال: ( اقْضُوا )، وقد أشار أبو داود إلى ذلك بعد روايته للحديث.
ثمّ إنّ القضاء في لغة الكتاب والسنّة ليس معناه الإتيان بالفوائت على نحو ما فاتت، فذاك اصطلاح خاصّ بالأصوليّين والفقهاء، وإنّما القضاء في الشّرع هو الإتمام والأداء، ويؤيّد ذلك:
قوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}، أي: أتممتم مناسككم.
وقوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}، أي: أتممتم صلاتكم.
وقوله تعالى أيضا:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، أي: تمّت وأُدّيَت الصّلاة.
وفي أحاديث كثيرة لا تُحصَى نرى الصّحابة رضي الله عنهم يقولون:" فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الصَّلاَةَ قَالَ ... كذا، أو فعل كذا. أي: أتمّها، وانصرف منها.
والّذي يظهر أنّ القول الثّاني هو الصّواب.
والله تعالى أعلم.