( دْيَالِي )
كلمة دارجة على لسان العامّة، ومعناها: في ملكي و حوزتي.
وأصلها: ذَا لِي.
- أمّا عدم نطق بني قومي بالذّال المعجمة على وجهها، فقد سبق الحديث عنه.
- أمّا وجه مخالفتها لكلام العرب، فذلك أنّهم يطلقونها على المذكّر والمؤنّث، والمفرد والمثنّى والجمع ! ولو التمست لهم عُذرا لقلت: إنّها بمنزلة ( حبّذا )، حيث تستعملها العرب مع المفرد والجمع، والمذكّر والمؤنّث، فيقولون: حبّذا الرّجل زيد، وحبّذا المرأة هندٌ، وحبّذا الرّجلان زيد وبكر، الخ ...
- أمّا ما طرأ على الكلمة من زيادة الياء، فله أصل في اللّغة، فإنّه قد ثبت عن العرب تصغير اسم الإشارة شذوذا - أي: على خلاف القياس -، فقالوا في:
(ذا): ذيّا، وفي (ذاك): ذيّاك، وفي (ذلك): ذيّالِك، وفي (تا): تيّا، وفي (أولاء): أوليّاء.
ومنه ما يُروَى من كلام أحدهم:
أَوْ تَحْلِفي بِرَبِّكِ العَلِيِّ *** أَنِّي أبو ذَيَّالِكِ الصَّبِي
فأصل دْيالِي هو: ذيّا لِي، أي: هذا لي.
ولنا مع هذه الكلمة فوائد:
الأولى: إنّما كان تصغير أسماء الإشارة على خلاف القياس؛ لأنّ من شروط تصغير الكلمة أن تكون اسماً معرباً، فلا تُصغّر الأسماء المبنيّة.
ونظيره تصغير الأسماء الموصولة، تقول العرب تكنِّي عن الدّاهية العظيمة: بعد الّتي واللّتياّ.
" وإنّما ساغ تصغير الإشارة والموصول؛ لأنّهما يوصفان ويُوصَف بهما، والتّصغير وصف في المعنى " ["شذا العَرف" للحملاوي][1].
الثّانية: البيت المذكور ( أَوْ تَحْلِفي بِرَبِّكِ العَلِيِّ ... ) نسبه أكثر أهل المعاجم إلى بعض العرب قدم من سفره، فوجد امرأته قد وضعت غلاما، فأنكره.
وعليه، فهو مجهول القائل، لا يُحتجّ به كما هو مقرّر في أصول النّحو.
ونسبه بعضهم إلى رؤبة بن العجّاج، كما في ملحق " ديوان رؤبة " (190)، و" توضيح المقاصد " (1/528)، و" شرح الشّواهد " للعينيّ.
فإذا صحّت نسبته إلى رؤبة فهو حجّة.
الثّالثة: من الألفاظ الدّارجة بيننا، وهي بمعنى ( ديالي ) كلمة: نتاعِي ! فما أصلها وفصلها ؟
أظنّ - والله أعلم - أنّ أصلها ( مَتَاعِي )، وهو ما يدخل في ملك الشّخص، بدليل أنّ لهجة بعض أهل الغرب الجزائريّ تنطقها على الأصل، فيقولون: هذا مْتَاعِي.
ثمّ توسّع اللّسان العامّي، فاستعملت الكلمة في كلّ إضافة، فقالوا: هذا كتاب نتاع الفقه، ونحوه.
ونظيرها عند إخواننا المصريّين كلمة: ( بتاع ).
فنحن نقول: الكتاب نتاع زيد، وهم يقولون: بتاع زيد، أي: الكتاب الّذي يملكه زيد.
فأيّ القلبين أقرب إلى الأصل ؟
أ) قلب الميم نونا ليس شائعا عند الجزائريّين، بل هو نادر لنُدرتِه في لغة العرب، فسُمِع: ( قاتن ) بمعنى: قاتم ["لسان العرب"].
وقالوا: في يوم غين، أي: غيمٍ؛ ذلك لاجتماع الميم والنون في الغنّة. حتّى استجاز الشّعراء أن يجمعوا الميم والنّون في القوافي ["الكامل" للمبرّد].
نعم، في لهجة كثير من أهل الغرب الجزائريّ تسمعهم ينادون من اسمها ( فاطمة ) فيقولون: فاطْنة.
ويكثر ذلك عند أهل الشّام، فيقلبون الميم نوناً في ضمير الجمع، يقولون: ( أخوكُنْ، وأخوهنْ )، أي: أخوكم، وأخوهم.
وهذا إمّا تأثّر باللّغة السّريانيّة؛ إذ شائع في مفرداتها قلب الميم نونا.
وإمّا تأثّر بحركة تحرير المرأة واستعباد الرّجل، فجرّدوه من علامة الذّكور، وألبسوه لباس الإناث ! خاصّة بعدما فشِلت داعية تلك الحركة في المساواة بين الرّجل والمرأة في ميم الجمع، والتخلّص من نون النّسوة ! فاختارت مذهب نابليون: عليّ وعلى أعدائي !
ب) أمّا قلب الميم باءً، فهو مشهور في لغة العرب، ولا نستغرب شيوعه في مصر؛ لأنّها لغة قبيلة مازن.
ومازن إحدى القبائل العربيّة الكبيرة الّتي وفدت من شبه الجزيرة العربيّة إلى مصر، واستقرّت بصعيدها في محافظة سوهاج.
ويعضُد هذا القلبَ، أنّ هناك ألفاظا مستعملة قُلِبت ميمُها باءً، نحو: (مكّة وبكة), قال تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ}.
وقالوا: ( طين لازب ولازم )، و( حثربة وحثرمة ) لأرنبة الأنف، وغير ذلك.
والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.
[1] قوله رحمه الله:" يوصفان " لا يقصِد بالوصف هنا النّعت، فهما لا يُنعتان، وإنّما يقصد بالوصف الاصطلاحَ النّحويَّ العامّ، بأن يُبدَل منهما، ويأتي الحال منهما، والله أعلم.