آلمه ما يراه من سوء في التّسيير، وانعدام في التّقدير والتّدبير .. أحزنه أن يرى بطوناً جائعة وأموالا ضائعة .. فأقسمَ أنّه لن تكتحِل عينُه بمنام، ولن يكلّمَ أحداً من الأنام ...
حتّى يغرّد تغريدة في القضيّة ! ويكتب أسطرا على صفحته الفايسبوكيّة !
- وثالث من أهل الذّكاء والفطانة، وأصحاب الحكمة والرّزانة، طاش عقلُه لما يرى ويسمع في أرض الواقع .. ساحةٌ جرداءُ وأراضٍ بلاقع .. تكالَبَ الأعداءُ من كلّ جانب، حتّى من خِلناه صديقاً قد أبْدى المخالب !
فكان الحلّ لديه، أن شمّر على ساعِديه، وسارع إلى غرفتِه، وولجَ إلى صفحتِه، فصار يعلّق على كلّ شيء، وفي كلّ شيء، وبأيّ شيء !
ورابع، وخامس ...
والقاسم المشترك بين هؤلاء الصّالحين أنّهم هربوا من الـواقـع إلى الـمـواقـع ..
لقد نجح " مارك زوكربيرج " في امتصاص غضب المسلم ليبقى صالحا لا مصلحا ..
ليكون من أصحاب المتابعة المتفرّجة لا المتابعة المنتجة ..
فبدلاً من أن يخرج إلى الواقع فيصلح بعضه .. يأمر وينهى .. يعِظ ويُذكِّر .. يوجّه وينصح ..
بدلاً من أن يسارعَ إلى إيجاد أرضيّة للعمل عليها، كإنشاء جمعيّات ثقافيّة أو خيريّة .. وإقامة دورات علميّة وتكوينيّة ..
بدلاً من كلّ ذلك، راح إلى فـضـاء أزرق .. يُفرغ فيه شحنته، ويصبُّ فيه همّتَه !
ويزداد عجبُك، حين ترى هذا السّابحَ في الفضـاء الأزرق يظنّ أنّه قد قام بواجبه خير قيام ! وأنّه لا عتاب عليه بعد ذلك ولا ملام !
ولِمَ لا يظنّ ذلك، وإشارات الإعجاب وعبارات الشّكر والامتنان تنهال عليه في كلّ حين وأوان ؟
** لقد تحدّثوا كثيرا عن أضرار ما يسمّى بشبكات التّواصل الاجتماعيّ، وأنّها في الحقيقة قطعت التّواصل، وعزلت أكثرَ روّادِها عن المجتمع !
لقد تحدّثوا عن ضياع الأوقات، والتّفريط في الواجبات ..
لقد حذّروا روّادَ هذه المواقع من أن يكونوا ضحيّة التصفّح القسريّ الّذي يُفقِد الإنسانَ الإحساسَ بالزّمن ..
وقد طالعت بعضَ ما كتبه المتخصّصون حول الموضوع، كدراسة أرين كاربنسكي، و ميشيل فانسون، وبعض الدّكاترة في العالم العربيّ، فلم أجدْهم يضعُون أيديِهم إلاّ على السّلبيات الظّاهرة.
حتّى ناعوم تشومسكي في كتابه " أسلحة صامتة لحروب هادئة " لم يتحدّث عن: ( امتصاص غضب الصّالحين )، الّذي يجعلهم يلجؤون إلى المواقع بدل النّزول إلى العمل في الواقع.
نعم، للمواقع إذا كانت: تنشر علما نافعا، وتُحيِي عملا صالحا ..
نعم، للمشاركة فيها بالدّخول إلى صفحات المنحرفين لدعوتهم إلى الخير والصّلاح، وسلوك درب الإحسان والفلاح ..
نعم، إذا كانت إذاعةً للدّروس والمحاضرات، والنّدوات والملتقيات ..
أما أن تكون مجرّد وسيلة لإعادة نقل الأخبار، ممّا يحزن الصّالحين ويَسُرّ الأعداء الحاقدين، فاعلم أنّك تقمّصت دورَ غيرك، وحرمتَ النّاس من خيرك ..
فإذا أحزنك أمرٌ فتذكّر أنّ الحزن المحمود هو الّذي يحملك على العمل، وليس الّذي تحمله أنت فتصبحَ عاطلا عن الأمل !
فوالله لن تقوم لنا قائمة إلاّ إذا عُدنا إلى أنفسِنا باللاّئمة، وسارعنا إلى إيقاظ أمّتنا النّائمة، وذلك بالدّعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قال الله جلّ جلاله:{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [آل عمران: 104].