[رواه أبو داود، والنّسائي-واللّفظ له-، وابن خزيمة، وابن حبّان في " صحيحيهما"، والحاكم، وقال: " صحيح على شرط الشّيخين "].
- شرح الحديث:
- ( أَخَذَ بِيَدِهِ ): قال في "عون المعبود": " كأنّه عقدُ محبّة وبيعة مودّة ".
- ( واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ ): وفيه أنّ من أحبّ أحدا يستحبّ له إظهار المحبّة له.
يؤيّده ما رواه أبو داود وأحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعْلَمْتَهُ ؟)) قَالَ: لَا، قَالَ: (( أَعْلِمْهُ )) قَالَ: فَلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ.
ولمّا كان الحبّ في الله مبنيّا على التّقوى والطّاعة، ناسب أن تكون الوصيّة وصيّة على الحقّ والثّبات عليه.
- ( أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ ): أي: إذا أردت ثبات هذه المحبّة فلا تتركنّ هذا الذّكر.
- ( دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ): فيه مسألتان:
الأولى: الحديث عامّ، فيشمل الفريضة والنّافلة، وهذا هو الأصل. ولا تخصّص الفريضة بذكرٍ معيّن إلاّ بدليل، كما هو شأن التّسبيح والحمد والتّكبير.
الثّانية: معنى ( دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ) أي عقِبَها وخلفَها، أي: بعد التّسليم، وهذا هو الظّاهر.
وقيل: آخر الصّلاة قبل السّلام، كما أنّ دبر الحيوان آخره.
قال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/305):
" ودبر الصّلاة يحتمل قبل السّلام وبعده، وكان شيخنا يرجّح أن يكون قبل السّلام، فراجعته فيه، فقال:" دبر كلّ شيء منه كدبر الحيوان ".
وابن تيمية رحمه الله قد ذكر هذه المسألة في مواضع من الجزء الثّاني والعشرين من "مجموع الفتاوى" ولكنّه لم يجزم بأحد القولين.
وحمل هذا الذّكر على نظائره أولى، كالتّسبيح والتّكبير، فإنّ الإجماع انعقد على أنّها تقال دبر الصّلاة بمعنى انقضائها.
- ( تَقُولُ اللّهُمَّ أعِنِّي علَى ذِكْرِكَ ): من طاعة اللّسان ( وَشُكْرِكَ ): من طاعة الجنان ( وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ): من طاعة الأركان.
والشّكر يكون باللّسان والقلب والأعضاء، ولكنّه غالبا ما يراد به الشّكر بالقلب، كما في حديث ثوبان رضي الله عنه - وقد مرّ معنا - أنّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( أَفْضَلُهُ - أي المال -: لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ )).
وهذا الدّعاء يشبه ما في الفاتحة من قوله تعالى:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5].
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.