- · لمّا كانت آيةُ الكرسيّ أعظمَ آيةٍ في القرآن الكريم، ناسبَ أن يكون أجرُها هو أعظمَ الأجور.
روى مسلم عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ )).
قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:
(( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ )).
قَالَ: قُلْتُ:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ:
(( وَاللَّهِ لِيَهْنَكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ !)). أي: هنيئا لك هذا العلم.
ذلك؛ لأنّه ليس في القرآن الكريم آيةٌ حوت من صفات الله تعالى الدالّة على الكمال والجلال مثل هذه الآية:
- أمّا الأسماء فهي: الله، والحيّ، والقيّوم، والعليّ، والعظيم.
ومن ضمن هذه الأسماء: ( الحيّ القيّوم )، وهو اسم الله الأعظم، كما دلّت عليه الأحاديث الصّحيحة.
- وتضمّنت من الصّفات: انفرادَه بالألوهيّة، وانتفاءَ السِّنة والنّوم في حقّه سبحانه لكمال حياته وقيّوميّته، وعمومَ ملكه، وقوّةَ سلطانه، وشمولَ علمه، وكمالَ عظمته فلا يحيطون به علما، ونفوذَ مشيئته فلا يحدث شيء إلاّ بإذنه، وعلوَّه على خلقه علوَّ القهر والشّأن والذّات، وكمالَ حفظِه لخلقه.
- وممّا يدلّ على عظمته سبحانه عظمةُ الكرسيّ وما هو أعظمُ من الكرسيّ:
فقد روى محمّد بن أبي شيبة في " كتاب العرش " (114/1) عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ:
(( مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِي الكُرْسِيِّ إِلاَّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، وَفَضْلُ العَرْشِ عَلَى الكُرْسِيِّ كَفَضْلِ تِلْكَ الفَلاَةِ عَلَى تِلْكَ الحَلْقَةِ )). [صحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله في "السّلسلة الصّحيحة" (1/174)].
ولم يثبت في صفة الكرسيّ والتّعريف به شيء إلاّ ما صحّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه موقوفا عليه من قوله:" الكُرسِيّ موضعُ القدمين ". [رواه الحاكم، وهو صحيح كما قال الشّيخ الألباني في " مختصر العلوّ "].
ولا يجوز أن يخوض أحدٌ في كيفيّة ذلك كما هو مقرّر في أصول اعتقاد أهل السنّة، ونقول: كما أثبتنا استواء الله على عرشه مع تنزيهه عن افتقاره إليه، فكذلك نقول: إنّ الكرسيّ موضع القدمين مع تنزيه الله تعالى عن افتقاره إليه.
قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله في " تفسيره " لآية الكرسيّ من " سورة البقرة":
" و(الكرسيّ) هو موضع قدمي الله عزّ وجلّ؛ وهو بين يدي العرش كالمقدّمة له؛ وقد صحّ ذلك عن ابن عبّاس موقوفا، ومثل هذا له حكم الرّفع؛ لأنّه لا مجال للاجتهاد فيه ".
- · ومن فضائل هذه الآية العظيمة ما زاده أبو داود، أحمد، وابن أبي شيبة بإسناد مسلم عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه: (( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ لِهَذِهِ الآيَةِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، تُقَدِّسُ المَلِكَ عِنْدَ سَاقِ العَرْشِ )).
فلأجل ما اشتملت عليه من صفات الكمال والجلال والجمال، كانت هذه الآية من أعظم الحصون من كيد الشّيطان؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّ الشّيطان قَالَ له:
" إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ".
فحُقّ لمن داوم على هذه الآية بعد الصّلوات المفروضة أن لا يكون بينه وبين الجنّة إلاّ أن يموتَ، فيدخلَها.
- · قوله رحمه الله: ( رواه النّسائي ) أي: في " السّنن الكبرى ".
- · قوله رحمه الله: ( وقال شيخنا أبو الحسن ): قال الشّيخ الألبانيّ رحمه الله:" هو عليّ بن المفضّل بن عليّ أبو الحسن بن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسيّ المالكيّ، كان من أئمّة المذهب المالكيّ، ومن حفّاظ الحديث، ورِعا ديِّنا، رضيّ الأخلاق، ومات سنة (611)، كما في "تذكرة الحفّاظ" (4/187-188) ".
- · قوله رحمه الله: ( وابن حبّان في كتاب الصّلاة ): قال الشّيخ الألبانيّ رحمه الله:
- · " قلت: "كتاب الصّلاة" لابن حبّان هو كتاب له مفرد عن كتابه " الصّحيح " الّذي سمّاه بـ" التّقاسيم والأنواع" ... وقد خفيت هذه الحقيقة على الحافظ النّاجي، فقال عقب قول المؤلّف "في كتاب الصّلاة":" أي من صحيحه "! وكذلك خفيت على الحافظ السّيوطي، فإنّه عزاه في "الجامع الصّغير" و"الكبير" لـ(حب) أي: في "صحيحه" كما هو اصطلاحه الّذي نصّ عليه في المقدّمة، ولم يخرّجه فيه، ولذلك لم يورده الهيثمي في "موارد الظّمآن"، فتنبّه " اهـ.
- · قوله رحمه الله: ( وصحّحه ): قال الشّيخ الألباني رحمه الله:" في الأصل هنا قوله: ( وزاد الطّبراني في بعض طرقه: و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، وإسناده بهذه الزّيادة جيّد أيضا ). قلت: وهو من تساهل المؤلّف ... وفي إسناده من كذّب الدّارقطنيُّ، مع مخالفته للحديث الصّحيح، وهو بهذه الزّيادة منكر، وبيانه في " الضّعيفة " (6012) ".