الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد أشاع القُصّاص حكايةً عن عمر رضي الله عنه مفادها: ( أنّه رضي الله عنه كان جالساً مع بعض أصحابه، إذ ضحك قليلاً، ثم بكى، فسأله مَن حضر، فقال:
كنّا في الجاهليّة نصنع صنماً من العجوة فنعبده، ثمّ نأكله، وهذا سبب ضحكي. أمّا بكائي؛ فلأنّه كانت لي ابنة، فأردت وَأْدَها، فأخذتُها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التّراب عن لحيتي، فدفنتها حيّةً ).
فهذه القصّة على الرّغم من اشتهارها وذيوعها، فإنّها لا أصل لها، ولا سند لها في دواوين السنّة، وأخبار الصّحابة رضي الله عنهم.
وممّا يدلّ على بُطلانها أمورٌ:
1- أنّ وأد البنات لم يكن عادةً شائعةً بين العرب جميعهم، إنّما كانت عادةَ بعض البطون، ولم يكُن الوأد معروفا أصلاً في بني عديّ، وعمر بن الخطّاب رضي الله عنه عدويّ.
2- إنّ أوّل امرأة تزوّجها عمر رضي الله عنه هي زينب بنت مظعون أخت عثمان وقدامة رضي الله عنهم، فولدت له حفصةَ، وعبدَ الله، وعبدَ الرّحمن الأكبر [انظر " البداية والنّهاية " لابن كثير، و"الإصابة " للحافظ ابن حجر (7/582)].
وكان ميلاد حفصة رضي الله عنها قبل البعثة بخمس سنوات فقط، كما جاء في " مستدرك الحاكم " وغيره.
وعليه، فإنّ حفصة هي كبرى بنات عمر رضي الله عنهما، وبها يُكَنَّى، فلم يئدْها، فكيف يئِدُ من هي أصغر منها ؟
3- ثمّ من هي، وهو لم يُرزق قبل البعثة من البنات غير حفصة رضي الله عنها ؟!
ولماذا انقطعت أخبار هذه الموءودة فلم يذكرها أحدٌ من أقاربها ؟
وأوّل من علمته شكّك في هذه القصّة وبيّن زيفَها هو الأستاذ عبّاس محمود العقّاد رحمه الله في كتابه " عبقريّة عمر " (ص 221).
وانظر كتاب " دراسة نقدية في المرويّات في شخصية عمر بن الخطّاب وسياسته الإداريّة " (1/111-112) للدّكتور عبد السّلام بن محسن آل عيسى حفظه الله.
ولعلّ واضِعها من الرّافضة الّذين لا همّ لهم إلاّ لمز الأخيار، والطّعن في الأبرار.
والله أعلم.