شرح كتاب الحجّ 12: الإحرام آداب وأحكام 02.
- حكم من فعل شيئا من محظورات الإحرام:
فهناك تفصيل في حكم ذلك كلّه:
فمن فعل شيئا من الأمور الستّة الأولى، فيجب عليه أن يفعل أحد ثلاثة أشياء:
أ إمّا أن يذبح شاةً.
ب أو يُطعم ستّة مساكين - كلّ مسكين نصف صاع -.
ت أو يصوم ثلاثة أيّام.
أمّا الثّلاثة الأخيرة:
1 الجماع قبل التحلّل الأوّل:
فلو جامع قبل أن يتحلّل التحلّل الأوّل وقد ذكرنا فيما سبق معناه، فإنّه:
- يَبْطُل حجّه.
- ويمضي في فاسده ويكمله مراعاة لحرمة الإحرام. وقيل: يتحلّل بعمرة.
- ويقضيه من قابل.
- ويجب عليه ذبح بدنة أو سبعٌ من الغنم.
أمّا لو جامع بعد التحلّل الأوّل فإنّه لا يفسد حجّه، ولكن عليه ذبح شاة.
2 الجدال: فإنّه يأثم، ولا دم عليه.
3 الصّيد: فيلزمه الجزاء.
وهو ما ذكره الله تبارك وتعالى في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً المائدة:95.
والجزاء هو الفدية المعادلة للصّيد الّذي صاده.
فإن لم يجد ما يعادله قوّمه دراهم، ثمّ يقوّم الدّراهم طعاما، فيطعم بكلّ نصف صاع مسكينا، أويصوم عن كلّ نصف صاع يوما.
فائدة:
ولعِظم شأن الإحرام كان الواجب على من أحرم بحجّ أو عمرة ثمّ حبسه عذر أن يذبح هديا، ثمّ يقضيه من قابل، قال تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ البقرة: من الآية196.
لذلك كان من السنّة الاشتراط في الحجّ لمن غلب على ظنّه أنّه سيُحبَس.
فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ . قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً.
فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي .
تابع البـاب الخــامــس: التّرغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصّوت بها .
الحديث الأوّل:
قال رحمه الله:
1133-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَظَلُّ يَوْمَهُ مُحْرِمًا إِلاَّ غَابَتِ الشَّمْسُ بِذُنُوبِهِ .
رواه التّرمذي وقال: "حديث حسن صحيح"، وليس في بعض نسخ التّرمذي:" وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ.." إلى آخره، وكذا هو في النّسائي و"صحيح ابن خزيمة" بدون الزّيادة.
وزاد رزين فيه:
وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُلَبِّي لِلَّهِ بِالحَجِّ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ مَا عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ الأَرْضِ .
الحديث الثّالث والرّابع:
قال رحمه الله:
1135-وَعَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ أَوْ التَّلْبِيَةِ .
رواه مالك، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والتّرمذي، وقال: "حديث حسن صحيح" .
وابن خزيمة في "صحيحه" وزاد ابن ماجه:
فَإِنَّهَا مِنْ شِعَارِ الحَجِّ .
1136-وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
جَاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السّلام، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ! مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ، فَإِنَّهَا مِنْ شِعَارِ الْحَجِّ .
رواه ابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبّان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد".
الحديث الخامس والسّادس:
1137-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطْ وَلاَ كَبَّرَ مكَبِّرٌ قَطْ إِلاَّ بُشِّرَ .
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ! بِالجَنَّةِ ؟ قَالَ:
نَعَمْ .
رواه الطّبراني في "الأوسط" بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصّحيح.
1138-وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ:
الْعَجُّ وَالثَّجُّ .
رواه ابن ماجه، والتّرمذي، وابن خزيمة في "صحيحه" كلّهم من رواية محمّد بن المنكدر عن عبد الرّحمن بن يربوع، وقال التّرمذي: "لم يسمع محمّد من عبد الرّحمن".
ورواه الحاكم وصحّحه، والبزّار، إلاّ أنّه قال:
مَا بَالُ الحَجِّ ؟ قَالَ: العَجُّ وَالثَّجُّ .
حكم الإحـرام قبل الميقـات
البـاب السّـادس: التّرغيب في الإحرام من المسجد الأقصى .
الشّــرح:
قال الشّيخ الألباني رحمه الله: " ليس تحته حديث على شرط كتابنا ".
أي: إنّ ما ذكره المصنّف رحمه الله من الأحاديث في هذا الباب ضعيف، من ذلك:
- حديث: من تمام الحج أن تُـحْرِمَ من دُوَيــْرَةِ أهلِكَ [وهو حديث منكر كما في " سلسلة الاحاديث الضّعيفة " برقم 210].
- وحديث أمّ سلمة في سنن ابن ماجه: مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ .
وفي رواية: مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذًّنًوبِ وغير ذلك من الرّوايات.
وقد استُدِلّ بهذا الحديث على جواز الإحرام قبل الميقات، قال السّندي رحمه الله بأنّه: يدلّ على جواز تقديم الإحرام على الميقات .
والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
الأوّل: إنّ الحديث لا يصحّ.
الثّاني: لو صحّ لكانت دِلالته أخصّ من ذلك.
بمعنى أنّه إنّما يدلّ على أنّ الإحرام من بيت المقدس خاصّة أفضل من الإحرام من المواقيت، وأمّا غيره من البلاد؛ فالأصْل الإحرام من المواقيت المعروفة، وهو الأفضلُ؛ كما قرّره الصّنعاني في "سبل السلام" 2/268-269.
هذا على فرض صحة الحديث، أما وهو لم يصح كما رأيتَ؛ فبيت المقدس – أعاده الله على المسلمين بخير - كغيره في هذا الحكم.
الثّالث: أنّ خير الهدي هديُ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فهو سنّ المواقيت لأهلها، ومضى السّلف على ذلك، فقد روى البيهقي كراهة الإحرام قبل الميقات عن عمر، وعثمان، وغيرهم رضي الله عنهم، وهو الموافق لحكمة تشريع المواقيت.
وما أحسن ما ذَكَرَ الشاطبي - رحمه الله - في "الاعتصام" 1/167، ومن قبله الهروي في "ذمّ الكلام" 3/54/1 عن الزبير بن بْكَّار قال:
حدّثني سفيان بن عيينة قال: سمعت مالك بن أنس - أتاه رجل - فقال: يا أبا عبد الله ! من أين أُحرِم ؟
قال: من ذي الحليفة، من حيثُ أحْرمَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقال: إني أريد أن أُحْرِم من المسجد من عند القبر.
قال: لا تفعل، فإني أخشَى عليك الفِتنة !
فقال: وأيُّ فتنة في هذهِ ؟ إنّما هي أميال أزيدها !
قال: وأيُّ فتنة أعْظَمُ من أنْ ترى أنّك سبقتَ إلى فضيلةٍ قصَّر عنها رسولُ الله ؟! إنّي سمعتُ الله يقول:{ فَلْيَحْذَرِ الذينَ يُخالِفون عنْ أمْرِهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُم عذابٌ أليمٌ } [النور:63].
وهذا مما صرّح به الشوكاني في "السيل الجرّار" 2/168، غير أنّه استحبّ الإحرام من المسجد الأقصى، وقد علمت مستنده.
والله أعلم.
.
|