تفسير سورة الأنعام 29:
قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) }
- بيان سعة علم الله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وأنّ النّاس إذا كان يخفى عليهم عالم الشّهادة فكيف يعلمون الغيب؟
- روى ابن أبي حاتم رحمه الله بسند حسن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: " وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا " قال:"مَا مِنْ شَجَرَةٍ فِي بَرٍّ وَلا بَحْرٍ إِلا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهَا يَكْتُبُ مَا يَسْقُطُ مِنْهَا".
- (إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) أي في اللوح المحفوظ.
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :"كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ"
- من هدايات هذه الآية:
- تعظيم الله عزّ وجلّ.
- يزداد الإنسان بصيرة أنّ الله يعلم كلّ شيء.
- إدراك رحمة الله: فالله قادر أن يحاسبنا يوم القيامة على مقتضى علمه، فإنّه سبحانه وتعالى لكمال رحمته لا يحاسبنا على مقتضي علمه مع دقّته، وإنّما بكتابة الأعمال، ويوم القيامة يجد العبد ما عمل حاضرا ولا يظلم ربك أحدا فيقرأ العبد كتابه، ويزنها الله يوم القيامة (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)
- أن يتعبد المرء ربه بهذا الاسم "العليم" : من كان يعلم أنّ الله يعلم دقائق الأشياء، فعليه أن يراقب الله عزّ وجلّ.
- من أهمّ ما تدلّ عليه هذه الآية: (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا) أنّه يعلم حالك فينبغي عليك أن تدعوه وأن تكثر من سؤاله.
- من علم أنّه (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا) فعليه أن يتأدّب مع الله في الدعاء فلا يجهر بالدعاء.
- من علم أنّ الله يعلم السّر وأخفى فعليه بالإخلاص.
- نسبة العلم إلى الله.
- وأهمّ شيء مما تفيده الآية: التّسليم والانقياد لأمر الله حاضرا ومستقبلا فإنّ الله عليم بالأمر: أيّ شيء يأمرنا الله به فاعلم أنّ الخير فيه، وإن كان يبدو لك في أوّل الأمر أنّ فيه مشقّة عليك، ثق في الله لأنه يعلم كل شيء، وهو الذي أمرنا ونهانا، فلنعمل ما أمرنا الله به ولنترك ما نهانا الله عنه، وسترى الخير كلّه في ذلك. يقول الشّاطبي رحمه الله "واعلم أنّ الهلاك في اتباع السنّة هو النّجاة"
|