2- منع داعـش سنة 2012 م الصّحفيّين العرب والأجانب من تغطية أحداث شمال سوريا، وكانت أخبارهم من قبلُ قد ملأت قنوات وصحف ومجلاّت العالم، واستعطفت الملايين مع الشّعب السّوري المظلوم؛ وما هذا المنعُ إلا لكون الإعلام يفضحُهم، ويُبيِّن عُوارَهم، ويهدم النّظام الأسديّ، وإلاّ فهل لدولة الإسلام الحقّة دولة العدل والرّحمة منْ شيءٍ تُخفيه ؟
وليتهم اكتفوا بالمنع فقط، بل اعتقلوا بعضَ الصحفيّين الغربيّين، ثمّ أعدموهم، ضاربين بذلك كلَّ الأعراف، فصار الإعلام الغربي عدوًّا لدودًا للقضية السورية.
ويؤكِّد ما سبق:
3- اعتقال داعـش لنشطاء القضية السورية، والتنكيل بهم !
4- منذ أن دخلت داعـش إلى سوريا وهي تحاول الاستيلاء على جميع نقاط إمداد الشّعب السّوري؛ وما ذلك إلا لخنقِهم ! ويؤكِّد ذلك:
5- أنّ تنظيم داعـش يُنتج في سوريا وحدَها ما يتجاوز مائة ألف برميل من النّفط يوميًّا من الحقول التي يسيطر عليها في دير الزّور والبوكمال، وهم كذلك يُسيطرون في دير الزّور على حقل كونيكو للغاز، وهو ثاني حقل في الشّرق الأوسط.
وهنا تُثار نقاط استفهام:
من أين جاءوا بالتقنيين لتشغيل آبار النّفط والغاز، حيث لم يتوقّف الإنتاج ليوم واحد ؟!
ومن أين يأتون بالمواد الأولية لتخزينه ونقله ؟!
وكيف يتمّ نقله ؟!
ومَن يشتريه مع أنّ كلَّ الدّول المجاورة لداعش معادية لها - في الظّاهر - بما فيها النظام السوري ؟!
ولِمَ لا يُجفَّف هذا المورد الضّخم للإرهاب - إن كان هناك إرهاب - خاصّة وأنّ أتباع داعـش من الأوروبيّين يُغرّدون على النّت: إنّ داعـش تُعطي 2000 $ للعائلة مع بيت، و700 $ للعازب مع بيت ؟!
ولَمْ يقصف النّظام السّوري هذه الموارد مرّة واحدة، إلى أن جاء التّحالف الأمريكي، فقصف الكثير منها نكاية بالنّظام السوري المستفيد الأوّل من هذه الآبار بطريقة غير مباشرة.
ويؤكِّد كل ما سبق:
6- التّطابق الغريب بين أساليب داعـش وأساليب النّظام السّوري:
فأساليب التّعذيب المُتّبعَة في سجون داعـش هي نفسُها تمامًا الأساليب المتبعة في أقباء المخابرات السورية، كما أخبر بذلك المئات من السوريين الذين سُجنوا عند الطرفين.
وكذلك طريقتهم في اصطناع الاعترافات والتوبات، فيُعذِّبون المرء حتى يعترف بما لم تَجْنِهِ يداه قط، بل يظهرونه على أنه تبرأ من فصيله الذي ينتمي إليه، وأنه التحق بداعـش؛ لكونها على الحقِّ.
ويؤكِّد ما سبق:
7- عدم مسِّ الحليف الاستراتيجيّ لسوريا بسوء ! فرغم أن إيران هي صاحبة النّفوذ والمسيطرة والدّاعمة للأنظمة الّتي يُراد إسقاطُها في العراق والشّام، إلاّ أنّ داعـش لم تمسَّها بسوء مطلقًا إلى الآن، بل ولم تتعرّض لنقاط إمدادها للنّظامين العراقيّ والسّوري !
والعجيب أن تترك داعـش هجوم بغداد الّتي هي في متناولِها، وتتّجه إلى أقصى سوريا مرورًا بجيش النّظام الّذي لا يمسُّها بسوء؛ لضرب الأكراد السنيين رغم انحرافهم؛ وما هذا إلا لتدويل القضية السورية لينال النظامُ الدعمَ ضدَّ الإرهاب، ولقطع نقاط الإمداد عنها.
ويؤكِّد كلّ ما سبق:
8- التّشابه الغريب في كيفيّة تقسيم وتفريق المقاتلين في العراق والشّام، وجعلهم يقتتلون فيما بينهم:
فقد أسّس أبو مصعب الزّرقاوي جماعةَ التّوحيد والجهاد، وبايع أميرَ القاعدة، وبعد مقتله سُلِّمت القيادة إلى أبي حمزة المهاجر الذي تنازل عنها، وبايع أبا عمر البغدادي، وبدأت جماعته في عهده بالتعامل مع الفصائل الأخرى على أنها دولة صاحبة القوة والتمكين، فقام عليها الفصائل المختلفة، وأُطلق عليها اسم (الصّحوات)، وهو اسم جامع لكل من حارب الدّولة الإسلاميّة في العراق، سواء كان مسلمًا أو كافرًا، وبهذا تحوَّل الجهاد من مجاهدة الأمريكيّين ومَن والاهم إلى الاقتتال والانقسام والتفرُّق الداخلي بسبب إعلان الدولة.
فقارن هذا بما وقع في الشام تجد تطابقًا غريبًا.
9- يرى الكثير من الباحثين - بما فيهم أمير القاعدة أيمن الظواهري وأتباعه كأبي قتادة - أنّ إعلان الخلافة الإسلاميّة بدلَ الإمارة الإسلاميّة حماقةٌ سياسيّة، لا يفعلها إلاّ البُلَّهُ من النّاس؛ لأنّ في ذلك:
أ) استعداءً لجميع الدّول المسلمة المجاورة.
ب) بل واستعداء للدّول الصليبيّة والصهيونيّة لحماية مصالحها المهدّدة وحماية حبيبتهم إسرائيل.
ج) ولأنّه يُدخل المقاتلين في صراعٍ داخليّ، فشرُّه محقَّقٌ؛ لأنّه من نوع الصّراعِ على الإمارة والقيادة، وهذا أعظمُ ما أصاب بعض صفحات تاريخ الإسلام بالسّواد.
فلِمَ أعلنت داعـش دولة الخلافة رغم نُصْح أيمن الظّواهري لهم بالسريَّة ؟!
10- إن كانت داعـش حقّقت دولة الخلافة الحقّة، دولة العدل والرّحمة، فلِمَ اجتمعت جميعُ الفصائل الإسلاميّة في سوريا كجيش الإسلام، وأحرار الشّام الإسلاميّة، ولواء التّوحيد، وغيرها لمقاتلة داعـش ؟!
بل حتّى " جبهة النّصرة " - وهي جناح القاعدة الرّسمي في الشّام - تُقاتل داعـش ؟!
ولِمَ لا يوجد لداعـش - إن كان يُمثّل دولة الإسلام الحقّة دولة العدل والرحمة - حاضنة شعبيّة في الشّعب السّوري المتديِّنٍ المحبٍّ للإسلام والمسلمين ؟! فبمجرد أن تضعف داعش في منطقة؛ يلاحقونها ويقتلونها، أهكذا يُفعل بأهل الخلافة إن كانوا من أهلها حقًّا ؟!
لقد تيقَّن السّوريون شعبًا وفصائلَ أنَّ داعـش هو أوّل عدوٍّ؛ أخَّر قضيّتَهم، وشوَّه صورتَهم داخليًّا وخارجيًا، وقتَّل خير قياداته الإسلاميّة بالشّام والعراق، ووجَّه بطشَه وسلاحَه إلى صدور المسلمين السنّة تاركًا النّصيرية تعتو في الأرض فسادًا - كما سيأتي بيانه -، وكلُّ هذا يؤكّد أنّ مَن يديرُه، إنّما يخدِم مصالح النّظام الأسديّ لا غير.
ويؤكِّد ذلك:
11- العمل على شيطنة المقاتلين السّوريين في أعين العالم:
قال بعض الباحثين: من المعروف أنّ من طرق الاستخبارات إنشاءَ أو اختراقَ جماعة قريبة في شكلها وفِكرها من الجماعة التي يُراد تشويه صورتها، وإعطاؤها مصداقية في أعين الناس بتَوْلِيَةِ بعض من عُرفوا في الساحة بالأهلية لأن يكونوا رؤساء لها، وقد تُلمِّعُ صورتهم عن طريق الإعلام المغرِض، أو عن طريق السّجن. وبعد تولِّيهم بمدّة قصيرة يُقضَى عليهم أو يُسجنوا، فتبقى إدارة الجماعة لمجاهيل يُسيِّرونها على وفق مخططات الاستخبارات؛ فيرتكبون الفظائع التي لا تخرج عن منهج الإسلام فحسب، بل تخرج عن كلِّ ما يمت إلى السلوك البشري السوي بأيِّ صلة، فتُشوَّه صورة الإسلام ودعاته وملتزميه عمومًا بالمذابح والاغتصاب والنهب والترويع؛ إذ يُنسب كلُّ ذلك إلى جماعة تدَّعي نصرة الإسلام والمسلمين.
فقارن بين داعـش والجماعات التي ظهرت في أماكن مختلفة في أيّام الفتن، فستجد تشابهًا قويًّا.
12- الاستغلال المثاليّ لمواقع التّواصل الاجتماعي لاستقطاب المسلمين الجُدُد من أوروبا وأمريكا إلى العراق والشّام[1]:
فما من رجلٍ أو امرأةٍ يُعلن إسلامَه فيها إلاّ ويراسلونه ويستقطبونه بأسماءٍ رنّانة وشعاراتٍ فارغة تفتِنُ السُذَّّجَ من النّاس، وينصحونه باللّحاق بهم؛ وهذا - لا محالة - يتطلّب تفرُّغًا منهم وإمكانيّات كبيرةً تفوق قُدُرات هؤلاء الشّرذمة.
فمن يساعد داعـش على هذا كلّه ؟!
والّذي يبدو أنّ داعـش يريد استغلال طيبتهم وجهلهم وحماسهم لدين الله؛ ليحرقنا بهم، ثم يحرقهم.
ثم كيف يلجأ لأناس مجهولين من أوربا وأمريكا، ويُدخلهم في صفِّه مع الاحتمال الكبير أن يكون هؤلاء من الاستخبارات العالمية ؟!
قد استطاعت داعـش - وقبلها القاعدة - تدمير وزعزعة كلِّ الدول الإسلامية التي دخلتها، وقوَّت كراهية العالم للإسلام:
فأعطتهم المسوّغاتِ لتشويه صورته وصورة المسلمين وعلمائهم؛ لإيقاف أسلمة أوروبا وأمريكا، والتّضييق عليهم وعلى جمعيّاتهم ومدارسهم وجامعاتهم.
بل صاروا يتدخّلون مباشرةً لتغيير الخطاب الديني والبرامج التربوية في الدول الإسلامية.
وأعطتهم المسوِّغات لما يُسمونه صِدام الحضارات في وقت ضعف المسلمين، فخرقوا أجواء السيادة الوطنية في كثير من الدولة الإسلامية، بل دخلوا عسكريًّا فيها، وقصفوا وقتلوا الشيوخ والنساء والأطفال دون محاسبة.
وأقلُّ ما يُقال - بالنّظر في كلِّ هذه النّقاط السّابقة عن داعـش - إنّها جماعة مشبوهة؛ إذ تحوم حولها الكثير من الشبهات، وقد أمرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم باتّقاء الشّبهات، فكيف إذا وُسمت بالخوارج ؟!
[وهذا ما سنبيّنه لاحقا إن شاء الله].
[1] ولا يخفى على القارئ كثرة الأوروبّيين والأمريكيّين المسلمين السذّج الذين ينضمّون إلى تنظيم داعـش، ممّا يجعلنا نتيقّن من أنّ أمريكا والدّول الغربيّة تشجّع وتيسّر للمسلمين الالتحاق بتنظيم داعـش؛ لتتخلّص من ذواتهم وأفكارهم إلى الأبد [أبو جابر].