فالإيمان بالقدر حياة؛ لأنّه يفتح لك في كلّ ظُلمةٍ شعاعَ ضياءِ ..
وفي كلّ عُسرة باب رجاء ..
ولولا الرّجاء لمات المريضُ من وَهْمِه قبل أن يُميتَه المرض، ولقُتِل الجنديُّ في الحرب قبل أن يقتلَه العدوّ.
ولولا الرّجاء ما كانت الحياة.
ولو تُرِكت الأمور لاحتمالات العقل، وقوانين المادّة، لما استطعت:
أن تتنفّس الهواء أو تشرب الماء؛ خشيةَ أن تكون فيه جرثومة داء ..
ولا ركِبْتَ سيّارة لاحتمال أن تصطدم ..
ولا صعِدتَ بناءً لاحتمال أن ينهدم ..
ولما استولدْتَ ولداً؛ لأنّه قد يموت ..
ولا اتّخذْتَ خليلا؛ لأنّه قد يخون ..
ولما اطْمَأنَنْت على مال؛ لأنّه قد يُسرق، ولا دارٍ؛ لأنّها قد تُحرَق.
الإيمان بالقدر راحة؛ لأنّه لو كان الفشل من عملك وحدك، وكان النّجاح من صنع يدك، لقطّعت نفسَك أسفا إن فَشِلتَ أو سُبِقْت ..
الإيمان بالقدر عزاء؛ لأنّك إن قُدّر بالمُصابِ بولد، فاحمد الله؛ ففي النّاس من أُصِيب بولدين ..
وإن خسِرت ألفاً فمنهم من خسِر ألفين ..
فهل عرفتم الآن ما حكمةُ القدر ؟
هي أن نَجِدَّ، ونعملَ، ونسعَى، ونبذل الجهد، ثمّ لا نحزن إن فشلنا، ولا نيأس إن لم نصل إلى ما نريد "اهـ.
[" صور وخواطر " ص 125-126].
يقول الله عزّ وجلّ:{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود من: 123].
فتأمّل - أخي الكريم - هذه الآية لتقف على أمرين عظيمين:
الأوّل: أنّه بعد الأمر بعموم العبادة، خصّ التوكّل عليه بالذّكر، تذكيرا بأهمّيته، وعلوّ منزلته.
الثّاني: إنّ الله تعالى يُطَمْئِن عبادَه قبل أن يأمرهم بعبادته والتوكّل عليه فقال:{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}.
فمصير أحقر الحشرات، وأخفى الجمادات، لا تعزب عن علمه وقدرتِه، ولا تفلت من مشيئته، فكيف بمصير من يقول: لا إله إلاّ الله ؟!