لا شكّ أنّهم وجدوا من كلام العرب ( فَعيل ) يجمع على ( فعلاء )، ككريم ونجيب وحليم، فتجمع على كُرماء ونُجباء وحُلماء.
فراحوا يقيسون على ذلك، فأتوا بمثل هذه المهالك، والقياس فاسد من وجهين:
أوّلا: أنّ فعيل الّتي تجمع على فُعلاء فاؤها أصليّة، فإنّ ( نجيب، وكريم، وحليم ) من ( نجُب، وكرُم وحلُم ).
في حين أنّ الميم من ( مُدير ) زائدة؛ فأصل الفعل ( دار ) ثمّ دخلت همزة التّعدية فصار الفعل (أدار)، وفي المضارع (يُدير)، واسم فاعله (مُدير) على القاعدة في صوغ اسم الفاعل من غير الثّلاثيّ.
ثانيا: ولو سلّمنا أنّ الميم من (مدير) أصليّة - وهو من المحال -، فإنّ (فَعيل) الّتي تُجمع على (فُعلاء) مفتوحة الفاء وكلمة ( مُدير ) مضمومة الميم.
مع ضرورة التّنبيه على أنّ وزن ( مدير ) هو ( مُفْعِل ) لا ( فَعِيل )، وبيان ذلك يطول، إذ يحتاج إلى بسط القواعد والأصول.
ثانيا: لماذا انتشر هذا الغلط ؟
فاعلم أنّ كلمة ( مدراء ) لم تَرد في أيِّ معجم لغويًّ مُعتَمَد، ولم يذكرها - في حدّ علمي القاصر - إلاّ معجم "المُنجِد".
ومعجم "المنجِد" ألَّفه الأبُ لويس المعلوف اليَسوعي ! فذكر أنّ:" جمع مُدير: مُدَراء ومُديرون " !
ولا يخفى على أحد أنّ "المنجد" كان بحاجة إلى من ينجدُه، فإذا به يصبح مرجعاً لكثير من الصّحفيّين والإذاعيّين ! وكلام الإذاعة والصّحف يجري من الأمّة جريان الدّم في العروق.
وهذا غيضٌ من فيضِ الأخطاء المسجّلة في هذه المعجم ! وقد نبّه على هذه الأخطاء كثيرون، منهم:
1- الشّيخ الأستاذ سعيد الأفغانيّ رحمه الله، فقد كتب تقريرًا في التَّحذير من "المنجِد"، بعنوان:" أضرارُ المنجِد والمنجِد الأبجَدي ".
2- وعقدَ الدُّكتور مازن المبارك فصلاً في كتابه:" نحو وعي لغويٍّ " بعُنوان: وقفةٌ عند المنجِد.
3- وأثبتَ الأستاذ يسري عبد الغني عبد الله فصلاً في كتابه:" معجم المعاجم العربيَّة " بعنوان: ( المنجِد يريد من يُنجِدُه ).
4- وكتب مصطفى جواد مقالات في مجلَّة "لغة العرب" بعنوان: المنجِد وما فيه من الأوهام.
5- وكتبَ الأستاذ عبد الستَّار فَرَّاج مقالاً في مجلَّة "العربي" بعنوان: ( المنجِد معجم في اللّغة: نقدٌ لا مفَرَّ منه ).
6- ونشرَ الأستاذ مصطفى الشِّهابي مقالاً في مجلَّة المجمع العلميِّ العربيِّ بدمشق بعنوان: ( نظرةٌ في المنجِد ).
7- وأنشأَ الأستاذ منير العِمادي مجموعةَ مقالات بيَّن فيها أغلاطَ "المنجِد"، نُشرت في مجلَّة المعرفة الدمشقيَّة، وفي مجلَّة المجمع العلميِّ العربيِّ بدمشق.
8- وألَّّّّف الأستاذ إبراهيم القطَّان كتابًا في نقده أسماه:" عثراتُ المنجِد في الأدب والعلوم والأعلام ".
9- وصنَّف في نقده أيضًا الدُّكتور أحمد طه حَسانين سُلطان كتـابًا بعنوان:" المنجِد للمعلوف في ميزان النَّقد اللُّغوي ".
10- وبيّنَ الدُّكتور إبراهيم عَوَض ما شابَ "المنجِد" من عصبيَّة نصرانيَّة في كتابه:" النَّـزعة النَّصرانيَّة في قاموس المنجِد ".
وغيرهم كُثُر.
والحاصل: أنّه ليس كلّ ما يلمع ذهباً.
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.