تقول العرب:سَمَطَ الشَّيءَ سَمْطا: علّقه، وسمطت الشيء: لزمته.
والسِّمط: الخيط فيه الخرز، وإلاّ فهو سلك.
والسّمط أيضا هو: الدّرع يعلّقها الفارس على عجز فرسه ... والسمط: واحد السموط، وهي خيوط تعلّق من السرج.
وذكر ابن منظور رحمه الله شواهد على ذلك.
ومن أبرز صفات الثّقلاء اللّزوم والتّعلّق، وما زال النّاس بغرب البلاد يسمّون الثّقيل: ( عَلْقَة )، أي: يلزم غيره فلا يدَعُه.
وقد قال الله تعالى في أمثالهم:{فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53].
قالت عائشة وابن عبّاس رضي الله عنهما: حَسْبٌك من الثّقلاء أنَّ الله لَمْ يستَحْيِ منهم.
لذلك سمّاها العلماء:" آية الثّقلاء "، قال ابن أبي عائشة وحمّاد بن زيد: أنزلت في الثّقلاء: يأتون وقت الطّعام، ثمّ يستأنس للحديث.
ومن عجيب ما تسمعه في لغة المشارقة قولهم عن الثّقيل: ليس له دم !
وليس ذاك - والله أعلم - إلاّ تشبيهاً له بالذّباب الّذي ليس له دمٌ سائل، وما عرفنا ( أسمط ) ولا أعلق من الذّباب.
هنالك فقِهت ما رواه ابن المرزبان في " ذمّ الثّقلاء " أنّ رجلاً أتى شُريكاً رحمه الله في يوم صائف، وأكثرَ على شريك في مسائل في الحديث، وثقُلَ عليه، فصاح شريكٌ: يا جارية، تعالَي اسْبِلي السِّترَ، واحرِقي الذّباب !
المعنى الثّاني: ذهاب الحلاوة:
قال في لسان العرب:" وسَمَطَ اللّبنُ يسمُط سمْطا وسموطا: ذهبت عنه حلاوة الحلب ولم يتغيّر طعمه ... قال الأصمعي: المحض من اللّبن ما لم يخالطه ماء حلوا كان أو حامضا، فإذا ذهبت عنه حلاوة الحلب ولم يتغيّر طعمه فهو سامط ..."اهـ.
وما زال النّاس يصفون الطّعام الّذي ذهبت حلاوته بالسّامط، ثمّ استعاروا هذا الوصفَ لمن ليس في كلامه حلاوة، ولا تعلو مجالستَه طلاوة.
المعنى الثّالث: الخثورة:
فالعرب تسمّي الخاثر من اللّبن سامطا، والخثورة غاية الثّقل.
قال ابن منظور رحمه الله:" وقيل: السّامط من اللّبن الّذي لا يصوّت في السّقاء لطراءته وخثورته ".
ولثقله شبّهوه بالجبل ! فهذا يحيى بن سعيد الأنصاريّ رحمه الله جاءه مرّةً رجلٌ يستثقله، فقال: من بالباب ؟ فقيل: فلان. فصكّ رأسَه بأصابع يديه كلّها، وقال: جبل ! جبل !
ولكن ما سرّ هذا الثّقل الّذي نجده لهم ؟!
يُجيبنا الخليفة العبّاسيّ المأمون عن ذلك، فقد قال يومًا لجلسائه: لم صَار الثّقيل أثقلَ على القلبِ من الْحِمل الثّقيل ؟ فلم يُجِب منهم أحدٌ، وقالوا: أميرُ المُؤمنينَ أعلمُ، فقال: لأنّهُ يجْتَمع على الحِمل الثّقيل الرّوح والْبدَن، والثّقيل تنفرد بِهِ الرّوح !
ونقلوا عن أهل الكتاب أنّهم كانوا يقرؤون: مجالسة الثّقيل حُمَّى الرّوح !
من أقوالهم في الثّقلاء:
عن محمّد بن زياد رحمه الله قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا ثقُلَ عليه الرّجل قال: اللّهم اغفِرْ له، وأرِحْنا منه.
وقال رجلٌ للشّعبي رحمه الله: ما زلت في طلبِك، فقال الشّعبي: وما زلت منك فارّاً.
ويُروى عن عمرَ بنِ الخطّاب رضي الله عنه أنّه كان يقول:" من آمن الثِّقَلَ فهو ثقيل ".
وقال حمّاد بن أبي سليمان رحمه الله:" من خَافَ أَن يكون ثقيلاً فهو خفيف ".
تنبيهان:
الأوّل: سُمع للفعل ( سَمَط ) مصدران: السَّمْط - وهو الموافق للقياس -، و"السُّمُوط" - وهو كثير مخالف للقياس -.
ولكنّ العامّة تقول:" سْمَاطَة "، وهو غلط؛ لأنّ هذا الوزن خاصّ بالحِرَف والصّنائع وما أشبهها.
وربّما نظقوا بذلك لأنّ كثيرا من النّاس لبستهم السّماطة حتّى لبسوها، وغمرتهم حتّى احترفوها.
الثّاني: قد يقول قائل: حقّ هذه الكلمة أن تُذكر تحت حرف الصّاد. وليس كذلك؛ فإنّما هي سينٌ تشبه الصّاد نطقا، والعرب كثيرا ما تنطق بالسّين صاداً إذا وقعت الطّاء بعدها، كما في " مسيطر "، حتّى كُتِبت في المصحف " مصيطر" بالصّاد.
وختاما:
فلا بدّ من أن نتّقي الله تعالى في إخواننا الثّقلاء ونتحلّى معهم بالصّبر، ونعاملهم بالحُسنى وسعة الصّدر، وما أجمل ما ذكره المدائنيّ رحمه الله أنّه كان يقال: عَوِّدْ نفسَك الصَّبرَ على مجالسة الثّقيل؛ فإنّه لا يكاد يُخطئُك.
والله تعالى الموفّق لا ربّ سواه.