الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فليس الإشكال في قول أبي طالب؛ فإنّه ما كان مؤمناً، ولا حجّة في قول المشركين.
إنّما الإشكال في تمثُّل ابن عمر رضي الله عنه بالبيت، وما كان رضي الله عنه ليتمثّل ببيتٍ فيه مخالفة للشّريعة.
ويزول الإشكال إذا علمنا أنّ "الاستسقاء بوجهه" معناه: الاستسقاء به، أي: بدعائه، والعرب تعبّر بالوجه عن الذّات وما يصدر من الذّات، كما يقال: فعلته لوجه الله تعالى.
وعليه، فمعنى البيت داخل في التوسّل إلى الله تعالى بدعاء الرّجل الصّالح.
وتأمّل ما رواه البخاري عن أنَسٍ رضي الله عنه أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ رضي الله عنه ( كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتًسْقًى بٍالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فقالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قالَ: فَيُسْقَوْنَ.
فمعنى قوله: ( كنا نتوسل إليك بنبيّنا ) أي: بدعائه، وقوله: ( ونتوسّل إليك بعمّ نبيّنا ) أي: بدعائه أيضا، وإلاّ - لو كان التوسّل بذاته وجاهه صلّى الله عليه وسلّم مشروعا - فلماذا لجأ عمر رضي الله عنه إلى العبّاس رضي الله عنه حتّى يستسقِي لهم ؟
وكذلك ثبت عنه معاوية رضي الله عنه أنّه استسقى بيزيد بن الأسود رحمه الله، أي: بدعائه.
ثمّ إنّ الصّحابة رضي الله عنهم - وهم أكثر وأشدّ اتّباعا له صلّى الله عليه ومسلم من غيرهم إلى قيام السّاعة - لم يثبُت عنهم ولا مرّة واحدة أنّهم كانوا يتوسّلون بذات أو جاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
قال ابن تيمية رحمه الله في "الردّ على البكريّ" عن بيت أبي طالب:
" قد جاء مفسّرا في سائر أحاديث الاستسقاء، وهو من جنس الاستشفاع به، وهو أن يطلبَ منه الدّعاء والشّفاعة، ويطلبَ من الله أن يقبل دعاءه وشفاعته، ونحن نقدّمه بين أيدينا شافعا وسائلا لنا بأبي وأمّي صلّى الله عليه وسلّم.
وكذلك معاوية بن أبي سفيان - لما أجدب النّاس بالشّام - استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي فقال:" اللّهمّ إنّا نستشفِعُ - ونتوسّل – بخيارنا، يا يزيد ارفَعْ يديْكَ "، فرفع يديه ودعا النّاس حتّى سُقُوا ...
وهذا الاستشفاع والتوسّل حقيقته: التوسّل بدعائه " اهـ ["مجموع الفتاوى" (1/315)].
والله تعالى أعلم.