وزعم المبرّد أنّه مفعول به؛ لأنّها في معنى قاربَ زيدٌ هذا الفعلَ ...
وقال أبو حيان في "الارتشاف": والمشهور أنّ هذه الأفعال من أخوات (كان)، تدخل على المبتدأ والخبر, لكن لا يكون خبرُها إلاّ مضارعاً, وذهب الكوفيّون إلى أن الفعل بدل من الاسم بدل المصدر, وكأنّهم بنَوْا هذا على أنّ هذه الأفعال ليست ناقصةً ...
وقال ابن هشام في " المغني " عن إعراب ( عسى زيد أن يقوم ): إنّ الكوفيّين يعدّون (عسى) فعلا قاصرا بمعنى (قرُب)، و(أن يفعل) بدل اشتمال من فاعلها ...
الذي أشكل عليّ هو:
الإشكال الأوّل: السّيوطي رحمه الله يقول: الأفعال غير المقرونة بـ(أن) لا خلاف في رفعها الاسمَ ونصبِها الخبرَ, وأبو حيّان حكى خلافا فيها, حيث قال: زعم الكوفيون ... الخ ! فما رأيُكم ؟
الإشكال الثّاني: ما معنى قول السّيوطي:" بدل من الأوّل بدل المصدر " ؟ أرجو توضيح هذا الإعراب بشكل ميسّر, وهل هذا الإعراب هو نفسه الّذي ذكره ابن هشام رحمه الله ؟
الإشكال الثّالث: قول الكوفيّين الّذي ذكره ابن هشام بناءً على أنّ الفعل هو (عسى)، فجعلوه بمعنى (قرب)، لكنْ إذا كان الفعل غير (عسى) مثل (كاد) وأوشك وغيرهما كيف يقدّرونه ؟
وفقك الله ونفع بعلمك.
فكان جوابي عن ذلك:
الجواب عن الإشكال الأوّل:
فلا خلاف بين عبارتَي السّيوطي وأبي حيّان رحمهما الله، إلاّ أنّ السّيوطي كان أدقّ وأكثر تفصيلا في عرضه لموضع الخلاف بين الكوفيّين وغيرهم، وأبو حيّان أجمل في ذلك.
وقد ينشُط العالم فيفصّل، وقد يكسل فيُجمل.
الجواب عن الإشكال الثّاني:
من نفى كونها من أخوات "كان" حين اقترانها بـ(أن) أعرب "أن" وما بعدها في تأويل مصدر بدلاً من الاسم.
توضيح ذلك:
إذا قلت: كاد زيد أن يقوم، كان المعنى: قرُب زيد قيامه، فـ" قيامه " بدل اشتمال من زيد؛ لأنّ قيامه هو الّذي قرُب لا زيد، وعلامة البدل أن يكون مقصُودا بالحكم.
فعليه فإنّ أعراب السّيوطي وابن هشام رحمهما الله واحد، وهذه المرّة كان ابن هشام رحمه الله أكثرَ دقّةً وتفصيلا.
الجواب عن الإشكال الثّالث:
سؤالك:" إذا كان الفعل غير (عسى) مثل (كاد) وأوشك وغيرهما كيف يقدّرونه ؟".
أوّلا: تمثيلك غير صحيح؛ لأنّ ( كاد وأوشك ) بمعنى ( قرُب ).
و( كاد ) ومثلها ( كَرَبَ ) من المستحسن عدم اقترانهما بـ( أن )، و( أوشك ) يستحبّ أن تقترن بـ( أن )، و(حرى واخلولق ) يجب اقترانهما بها:
ففي حالة عدم اقترانها بـ( أن ) فهي من أفعال المقاربة.
وفي حالة اقترانها بها - على قولهم - فهي أفعال تامّة، وأن وما بعدها بدلٌ.
ثانيا: أمّا بقيّة الأفعال: وهي أفعال الشّروع الخمسة وما كان في معناها، فلا يمكن أن تقترن بـ( أن ) لأنّها تدلّ على الحال، و(أن) تدلّ على الاستقبال، وأمحلُ المحال اجتماع الضدّين في الحال. فتبقى ناقصة دائما، ولا تكون تامّة.
ولذلك لم يأت ذكرٌ لها في كلامهم.
ثالثا: تقدّر الأفعال من لفظ معناها، فإذا قلت: أوشك وكاد وكرب، كان التّأويل: قرُبَ.
وإذا قلت: عسى، وحرى واخلولق، كان التّأويل: يُرجَى، أو رُجِي.
وإذا قلت: طفق، وأخذ، وجعل، وأنشأ، وعلق، كان التّأويل: شَرَعَ.
هذا ما بدا لي جوابا عن أسئلتك القيّمة المفيدة.
والله أعلم.