تفسير سورة الأنعام 27:
قال تعالى: { قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) }
- لمّا تباينت أقوال المشركين في الرسول صلى الله عليه وسلم، أمره الله أن يجيبهم: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) فلست على شكّ من أمري كما تشكّون.
- قوله (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) قيل القرآن لأنه يتم به البيان وقيل (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي ربِّي، وقيل (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي البيِّنة.
- كانت شبهة الكفار: لو كنت على حقّ فيما زعمت أنّ الله قد عذّب المشركين قبلنا وأنّك تخشى أن يصيبنا مثل ما أصابهم، فَأْتِنَا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: (مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي العذاب الذي تستعجلونه بيد الله. (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) إن شاء عجّل لكم العذاب، وإن شاء رفعه عنكم وإن شاء هداكم، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
- (يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) أي أنّ الله يأمر ويخبر بالحقّ، (وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ) أي خير القاضين.
- كأنّ سائلا يسأل: ماذا لو كان الأمر بيدك أيّها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال تعالى: (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي لوقع عليكم العذاب.
- كيف نجمع بين هذه الآية وبين الحديث الذي ورد فيه أنّ ملك الجبال ناداه: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا؟ فالجواب أنّه ليس هناك تعارض.وأحسن الأجوبة جواب ابن كثير رحمه الله:" فالجواب -والله أعلم -: أن هذه الآية دَلَّت على أنه لو كان إليه وقوعُ العذاب الذي يطلبونه حالَ طَلبهم له، لأوقعه بهم. وأما الحديث، فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم، بل عرض عليه مَلَك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين ، فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم".
- (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) الله أعلم بمن يستحقّ العذاب.
- قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). هذه أعظم آية في هذه السّورة.
- بعدما تبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم من آلهة المشركين وتبرأ مما يرمونه به من السحر ومن الكهانة ومن الكذب، وتبرأ أن يكون الأمر بيده وجعله بيد الله وحده، ناسب أن يخبرهم أنّ العذاب الذي تستعجلونه به هو من الغيب، وهو بيد الله فقال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) أي هي عند الله ليست عند أحد غيره.
- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَفَاتِحُ الْغَيْبِ } خَمْسٌ، ثمّ قرأ قوله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
- (لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) أي علما مستقلا، ولكن يمكن أن يطلع عليها بعض أصفيائه وهم الرسل فقط. قال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)، ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على جاريتين تنشدان :" وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ " قال :"لا، مَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ " فالأنبياء لا يعلمون الغيب حتى يطلعهم الله بما شاء كيف شاء.
|